السداسي الأول

تمهيد:

       امتلاك لغة إنسانية هي من الخصائص الأكثر تميزا بالنسبة للرموز الثقافية، لا يتعلق الأمر بخاصية متقاسمة عالميا من قبل كل البشر بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية، إنما هي وسيلة الاتصال الإنساني الأكثر انتشارا. فكل كائن بشري ينتمي إلى ثقافة معينة، يمتلك معجم يتألف من آلاف الكلمات، هو قادر على تركيبها حسب قواعد اللغة الدقيقة والمعقدة عملية النطق تمكن اللغة الإنسانية من التعبير عن رسائل متنوعة، يتم تشكيلها انطلاقا من حوالي ثلاثين إلى خمسين إشارة صوتية.

       تعتبر اللغة مؤسسة اجتماعية تحمل المعاني التي تجسد الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. كما أن اللغة شهدت تطورا وتحولا من الكلام المنطوق إلى لغة مكتوبة ثم تفرعت بتنوع المجموعات والفئات البشرية اللغوية وتعدد ألوان المعارف والعلوم. كما أن اللغات حاضرة في شتى فروع المعرفة والحياة ومن ذلك لغة التواصل والحياة اليومية. فاللغة هي مضمون وأداء الاتصال.

مفاهيم عامة حول اللغة:

       اللغة حسب ابن جني تعني أصواتا يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، أي انها أداة تواصل بين الناس، أفرادا ومجتمعات. هذا القول يبين وظيفة اللغة بصورة أساسية، كما تضمن التعريف أيضا، إشارة إلى طبيعة اللغة وحقيقتها، كما انه ربط بين الصوت اللغوي ونفسية المتكلم من جهة وبين الصوت اللغوي ونفسية المستمع من جهة ثانية. وذلك أنه جعل الأصوات وسيلة إفصاح، وغرض المتكلم كامن في نفسه، وجزء من مشاعره. وأما المستمع فكلمة "يعبر" تتضمن إشارة خفية إلى أن الأصوات الصادرة من المتكلم معبرة، أي فيها تأثير سلبي أو إيجابي وهذا التعبير يكون من شخص لآخر يعنيه.

       حسب ابن خلدون فإن اللغة عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني، فلابد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان هو في كل أمة بحسب اصطلاحاتها، ثم قال في موضع آخر: "أعلم ان اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة، إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني، وجودتها وقصورها بحسب تمام ملكة أو نقصانها، لقد نظر ابن خلدون إلى غاية اللغة التي هي "عبارة المتكلم عن مقصوده" وطبيعتها وحقيقتها" فعل لساني" وأشار إلى أنها متعارفة بين الناس" بحسب اصطلاحاتهم ". وفي قوله الثاني ذكر انها تشبه الصناعة أي أنها تحتاج إلى مراس وتعلم وفن.

المعنى الاشتقاقي للغة: 

       هي "تلك التي تتعلق باللسان البشري" وهناك تعريفات أوسع للغة بأنها "تلك التي تحمل معنى"، أو "كل شيء له معنى مفيد"، كل شيء ينقل المعنى من العقل الإنساني إلى آخر"

"هي أداة تعبير وتوصيل أفكار وحقائق ومشاعر بواسطة أصوات ورموز وإيماءات والإشارات". ويعتبر هذا التعريف السائد عاما على اعتبار أنه يتضمن أصوات (المنطوقة) والرموز المكتوبة. فاللغة تشمل اللغة (المكتوبة) والكلام (المنطوق)، وذلك ما يلاحظ في اللغة الفرنسية أيضا. فاللغة ((langage تتضمن اللسان ((langue والكلام (parole) أما اللغة الإنجليزية فلا تتضمن ما يشير إلى اللسان وإنما هناك اللغة (langage)  والكلام هو (speech).

تعريف اللغة عند دوسوسير:

       يطلق على أي وسيلة اتصال بين الكائنات الحية "لغة"، وهذا تصور مغلوط فيه، لكنه متأصل في تقليد فلسفي عريق يعتبر اللغة "كل وسيلة أيا كانت للتعبير عن الأفكار". يميز فيرناند دو سوسير بين اللغة (langage) اللسان (langue) والكلام (parole). فهو يعتبر اللسان "الجزء الاجتماعي للغة، كونه خارجي عند الفرد، الذي لا يستطيع الإبداع فيه ولا تعديله، فهو لا يوجد إلا بمقتضى نوع من العقود المصادق عليها بين أعضاء جماعة ما". اكتساب اللسان يتطلب التعلم، فهو موضوع ذو طبيعة ملموسة في حين أن الكلام هو فعل فردي، فهو الذي سوف يقوم بتطوير اللسان. اللسان والكلام مترابطان بشدة. واللغة هي اتحاد هذين العنصرين. يعتبر عالم اللسانيات دو سوسير اللغة كنظام من الإشارات المعبرة عن الأفكار.

تعاريف أخرى للغة:

       -اللسان هو اللغة ناقص الكلام، فهو في نفس الوقت مؤسسة اجتماعية ونسق من القيم... إنه الجانب الاجتماعي للغة أما الكلام: أساس فعل فردي، فعل اختيار وإنجاز، (رولان بارث).

       -اللغة هي كل نظام علامات يمكن استعماله وسيلة اتصال. (أندري لالاند)

       -اللغة في المقام الأول هي التعبير عن الفكر (جورج مونان)

       -اللغة هي التعبير الرمزي بامتياز (إيميل بنفينيست)

       -اللغة هي رمز من جهة هي كما الأرقام التي تسمح بإعداد توازنان بين الاصوات   والمعاني، ومن جهة ثانية هي نسق معايير يضبط الممارسات اللغوية (بيار بورديو)

       -اللغة أداة تواصل بين الناس، فهي توجد حيثما كان هناك أناس يعيشون في مجتمع، ولا وجود للغة مستعملة دون أن تكون وسيلة تواصل (جان بيرو).

محاضرات مقياس تقنيات التحرير السوسيولوجي 

السنة الأولى ماستر علم الاجتامع الاتصال 

الاستاذة : داودي نبيلة