يتطرق مقياس الدولة والمجتمع المدني إلى المفاهيم والتعاريف الأساسية للمؤسسات المجتمع المدني وكذا خصائصها السياسية والإجتماعية، بالإضافة إلى دور هذه المؤسسات في رسم وصنع السياسية العامة وإدارة شؤون الدولة، وتبيان العلاقة الوسطية بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل تنميته وتطويره في المنطقة العربية بصفة عامة والجزائر بصفة خاصة
- Teacher: mountassir tenni
نسعى من خلال هذا المقياس إلى دراسة وبحث وتحليل أهم الأحداث السياسية التاريخية الكبرى.
- Teacher: ibrahim benammar
محاضرات ابستمولوجيا علم السياسة
السنة الثانية علوم سياسية
جامعة غليزان
الاستاذ جيلالي بشلاغم
موسم 2023-2024
المحاضرة الأولى: مدخل إلى الابستمولوجيا كحقل معرفي جديد
أولا: مفهوم الابستمولوجيا
الابستمولوجيا مصطلح ذو أصول يونيانية يتكون من كلمتين: "إبستيمي" (Episteme) ومعناها العلم ، و"لوغوس" (Logos) ومعناها النظرية أو الدراسة. ومن ثم فإن الابستمولوجيا تعني نظرية العلوم أودراسة العلوم. يعتبر الفيلسوف الاسكتلندي "جيمس فريديريك فيرييه" (1808- 1864) أول من وضع هذا المصطلح في كتابه مبادئ الميتافيزيقا عند تمييزه في الفلسفة بين مبحث الوجود (أنطولوجيا)، ومبحث المعرفة (ابستمولوجيا). والكلمة في استعمالها الفلسفي المعاصر تعني" الدراسة النقدية للمعرفة العلمية وتهتم بالبحث النقدي في مبادئ العلوم وموضوعاتها وفرضياتها ونتائجها وقوانينها، بغية إبراز بناها ومنطقها وقيمتها الموضوعية". وينبه "لالاند" في موسوعته الفلسفية إلى الفرق بينها وبين دراسة المناهج العلمية ()، كما يميز بينها وبين نظرية المعرفة على ما بينهما من صلات ووشائج. ويعتبر لالاند أن ميزة الابستمولوجيا تكمن في كونها: "تدرس المعرفة بالتفصيل وبشكل بعدي في مختلف العلوم والأغراض أكثر ما تدرسها على صعيد وحدة الفكر". ومثل هذا التمييز لا ينسحب على الاستعمال الانجليزي والإيطالي للمصطلح . ومن المفاهيم التي انبثقت عن الابستمولوجيا نجد القطيعة الابستمولوجية، العائق الابستمولوجي، الثورات العلمية، الشبكة المفاهيمية، ...إلخ.
تعريف الابستمولوجيا:
تعرفها موسوعة الفلسفة (1967): " الابستمولوجيا أو كما تسمى نظرية المعرفة، هي ذلك الفرع من الفلسفة الذي يهتم بطبيعة المعرفة وأبعادها وبمفترضاتها وأسسها وبالثقة التي تمنح إياها".
وتعرفها الموسوعة البريطانية (1961): " ذلك الفرع من الفلسفة الذي يهتم بالمشكلات التابعة لطبيعة المعرفة والاعتقاد ولحدودهما وصلاحياتهما".
ويعرفها أندري لالاند :"الدراسة النقدية للمبادئ والنتائج الخاصة بالعلوم، تهدف لمعرفة أصولها المنطقية، قيمتها وثقلها الموضوعي".
من التعريفات السابقة نستنتج ما يلي:
- تتخذ الابستمولوجيا من المعرفة موضوعا لها.
-تهدف إلى الكشف عن مبادئ المعرفة ونشأتها ومقاربتها وتفسيراتها للواقع ومفاهيمها وتطور دلالاتها.
- تنهج الابستمولوجيا الخوض في تاريخ المعرفة ومراحل تطورها والكشف عن فترات تقهقرها وأسباب ذلك.
- تعمل ضمن مقاربة نقدية بهدف الكشف عن الخلفيات وتحديد الأبعاد.
ثانيا: نشأة وتطور الابستمولوجيا كعلم:
نشأت الابستمولوجيا على رأي "روبار بلانشي" () حوالي 1900، لما بدأت عدة مبادئ، مما دعا العلم التقليدي يطرح للمناقشة طرحا جديا، حيثما التيار الهام المسمى بنقد العلوم والذي كان موجها ضد الوثوقية العلموية (الدغمائية)، وقد تناول بالأساس طبيعة القوانين والنظريات في الفيزياء.
أما عن مصطلح الابستمولوجيا فيرجع ظهوره لمعجم "لاروس إليستري" () عام 1906. أما أول من وضعه في كتاب فهو الفيلسوف الاسكتلندي "جيمس فريديريك فيرييه" (1808-1864) في كتابه مبادئ الميتافيزيقيا عندما حاول التمييز بين مبحث الوجود "الأنطولوجيا"، ومبحث المعرفة أو الابستمولوجيا".
ثالثا:طبيعة البحث الابستمولوجيا
- يعتبر العلم بمثابة العلاقة بين الذات الانسانية والموضوع، وقد بحث الفلاسفة سابقا من درجة التشابه بين التصور الذهني والشيء الخارجي لمعرفة حقيقة المطابقة بينهما. وقد تطور هذا البحث ليصبح موضوع الابستمولوجيا لأنها تهتم بدراسة تلك العلاقة السابقة.
- يجعل التاثير المتبادل بين المعرفة والانسان من وعي هذا الأخير قابلا للنمو والتطور من خلال مختلف النشاطات خاصة منها النشاط العلمي.
- من هنا نجد أن الابستمولوجيا ترتبط بفلسفة العلوم وتاريخ العلوم وعلم اجتماع العلوم ولكنها تختلف عن كل منها.
- تجمع الابستمولوجيا كل الاعتبارات السابقة، فهي تهتم بالأسباب الذاتية والخارجية التي تؤيد لانتاج المعرفة وتطورها (وضع المعرفة في مكانها وزمانها وابعادها).
- تنطوي على أكبر قدر من الموضوعية، ولا تكون الابستمولوجيا علمية إلا إّذا ارتكزت على المنهج العلمي القائم على الاختبار والتحقيق.
رابعا: خصائص الابستمولوجيا
- كون الابستمولوجيا فكرة غامضة، فإنها تؤدي بالبعض إلى الخلط بينها وبعض المصطلحات الأخرى.
- الابستمولوجيا فكرة محيرة عند محاولة تعريفها
- الابستمولوجيا فكرة مقلقة عند ممارستها
المحاضرة الثانية: علاقة الابستمولوجيا بالعلوم الأخرى
أ- علاقتها بنظرية المعرفة: تهتم الابستمولوجيا بنظرية المعرفة العلمية في حين تتناول نظرية المعرفة كل أنواع المعارف. وعند التمييز بين المفهومين نجد ثلاث اتجاهات:
الأول: يعتمده الانجليز، حيث يستخدم اللفظان للدلالة على نفس المفهوم ويعرف كل من الابستمولوجيا ونظرية المعرفة بأنهما فرع من فروع الفلسفة.
الثاني: يمثله الابستمولوجيون الفلاسفة، حيث يرون أن العلاقة بين المفهومين هي علاقة الجنس بالنوع، أي أن الابستمولوجيا تبحث في شكل خاص أوصورة حاصة من صور المعرفة هي المعرفة العلمية.
الثالث: يمثله الفلاسفة الوصفيون وحسبهم لا توجد علاقة بين المفهومين، لأنهم لا يعترفون بنظرية في المعرفة ما لم تكن تحليلا علميا (أي يعتمد على المناهج العلمية في التحليل والتفسير).
ب- علاقتها بفلسفة العلوم: هي علاقة الجزء بالكل حسب بعض المفكرين. فإطا نظرنا إلى فلسفة العلوم بالمعنى الأوسع، وجدنا الابستمولوجيا فصلا من فصولها. هناك من الابستمولوجيين من يقطع العلاقة بينهما لإضفاء صفة العلمية على الابستمولوجيا.
ج- علاقتها بعلم المناهج: يقدم علم المناهج الدراسة الوصفية والتحليلية في تحصيل المعارف العلمية، بينما تتعدى الابستمولوجيا إلى الدراسة النقدية الرامية إلى استخلاص المبادئ التي ينطوي عليها التفكير العلمي. فالمنهج إذا أحد الأدوات التي تستخدمها الابستمولوجيا.
د- علاقتها بعلم التاريخ: يعتبر تاريخ العلوم مبحثا ضروريا للتفكير الابستمولوجي،هذا الأخير يحاول أن يبحث في تأسيس المعرفة العلمية، ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى تاريخ المعرفة بصفة عامة، وتاريخ العلم بصفة خاصة. وبذلك يعتبر تاريخ العلوم مخبرا للابستمولوجيا، أين نتقو بتحقيق فرضياتها، ونتائجها. وبذلك تكون مهمة تاريخ العلم الكشف عن العلاقة المنطقية التي تربط الحقيقة بالعلم عبر المراحل التاريخية المختلفة، والتي تمد الابستمولوجيا بالعناصر الأساسية والضرورية لتحليلاتها ونقدها للمعرفة العلمية.
مراحل أو مستويات المعرفة العلمية:
المعرفة العلمية ليست فعلا محددا في الزمان والمكان، لكنها تجري في الزمن وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة، وكل مرحلة تساوي درجة معينة (أومستوى معين) من المعرفة. ولذلك يمكن تقسيم هذه المراحل أو المستويات التي مرت بها المعرفة العلميةلى ما يلي.
أ- مرحلة الوصف: تتميز هذه المرحلة بجمع أكبر عدد من المعطيات والمعلومات باستخدام أدوات ووسائل ومناهج مختلفة.
ب- مرحلة الفهم والتفسير: الانتقال من التحليل إلى اللتعليل، بالإجابة عن السؤال لماذا؟.
وهي تحتاج إلى أدوات للتفسير مثل النظريات، المقاربات، والنماذج والطروحات التي تحاول تفسير الواقع.
ج- مرحلة الضبط والتحكم: عند فهم الواقع وتفسيره نصبح قادرين على ضبطه والتحكم فيه أو التكيف معه واكتشاف أسراره، من أجل إعادة بناءه بكيفية تتماشى مع قدراتنا واحتياجاتنا.
كما يتم الانتقال من القدرة على الفهم إلى القدرة على العمل والبناء.
د- مرحلة التوقع والتنبؤ: بعد تجاوز المراحل السابقة، يستطيع الباحث عن المعرفة أن يصل إلى مستوى التأصيل النظري والمنهجي لدراسة مستقبل الظواهر المدروسة، من خلال تتبع مراحل تطورها سابقا أوتكرارها والكشف عن القوانين والنواميس التي تتحكم في حدوثها.
المحاضرة الثالثة: تحديد المفاهيم المرتبطة بالابستمولوجيا
ارتبطت دراسة الابستمولوجيا بالعديد من المفاهيم والمصطلحات والتي أصلها الكثير من المفكرين والفلاسفة مثل مفهوم القطيعة الابستمولوجية لغاستون باشلار، الثورات العلمية، والنموذج المعرفي لتوماس كوهين، وغيرها من المفاهيم المنهجية والنظرية الأخرى التي تشتغل عليها الابستمولوجيا.
1- النظرية: هي مصطلح اليوناني الأصل مشتق من كلمة (theorin) والتي تعني عملية الملاحظة ووجود عملية الملاحظة في معنى أو تعريف النظرية يدل على أن النظرية هي عبارة عن مجموع مترابطة من المسلمات والمفاهيم المتعلقة المتعلقة بظاهرة خضعت لمراحل التجربة العلمية كالملاحظة التنبؤ والاختبار".
فالنظرية هي عبارة عن إطار منظم من المفاهيم والمسلمات التي تحدد وتفسر طبيعة العلاقة الموجودة بين المتغيرات المكونة للظاهرة. ينشأ هذا الإطار من المفاهيم والمسلمات من براهين وأدلة علمية وعملية خضعت للاختبار والتجربة. وتتميز النظرية عادة بوجود علاقة نسبية أو حتمية متعلقة بالموضوع أو الظاهرة محل الدراسة.
2- الاقتراب (أو المدخل): هو مجموع من الأفكار والمفاهيم المستخدمة من أجل العامل مع ظاهرة أو موضوع معين. فدراسة ظاهرة معينة يدفع الباحث إلى اختيار مجموعة معينة من المفاهيم والأفكار والأبعاد التي توجه بحثه أثناء التعامل مع الظاهرة، ويسمى هذا الإطار من المفاهيم والأفكار بالاقتراب (Aproach).
3- المنهج: المنهج هو مجموعة الخطوات والإجراءات والوسائل المستخدامة للوصول إلى المعلومات والمعطيات المتعلقة بالظاهرة المدروسة.
هناك علاقة وطيدة بين النظرية والمنهج، فالمنهج هو عبارة عن مجموعة الطرق والأساليب المستخدمة للوصول إلى النظرية أو إلى نتائج علمية يمكن أن تصبح قانونا عاما أو نظرية.
4- المدرسة: هي عبارة عن إطار معرفي علمي يشمل مجموعة من النظريات والاقترابات والمناهج تؤمن بنفس المبادئ والمعتقدات العلمية والمنهجية. وتنتمي إلى المدرسة فرقة علمية من الباحثين والمفكرين تؤمن بنفس المبادئ العلمية في فترة زمنية معينة ، وليس في كل الحالات تنشأ هذه المعتقدات من مصدر واحد يسمى عميد أو مؤسس المدرسة.
5- النموذج المعرفي: هو مجموعة متجانسة من المعتقدات والنظريات والاقترابات والقوانين والمناهج يشترك فيها ويؤمن بها أعضاء مجتمع علمي معين في فترة زمنية معينة. هذا التعريف يدل على وجود تشابه كبير بين مصطلح المدرسة ومفهوم النموذج المعرفي، إلا أن الفرق بينها يكمن في أن النموذج المعرفي أشمل إلى حد ما، ويمكن أن يشمل مدرستين أو أكثر. ففي العلاقات الدولية مثلا، هناك نموذج معرفي يسمى بالنموذج الراديكالي وهو يصور العالم كأخطبوط برؤوس متعددة، هذا التصور يرجع ويركز على ظواهر الهيمنة والاستغلال، بأشكال متنوعة، يدور موضوعه حول النظام العالمي، وأنماط الإنتاج. فظهرت فيه مدارس ونظريات متعددة رفضت واقع النظام الدولي، ونادت بتغييره على غرار المدرسة الماركسية ومدرسة التبعية وغيرهما. وهناك النموذج التعددي والذي يشمل مجموعة من المدارس والنظريات التي صورت العالم كبيت العنكبوت المركب من شبكة معقدة من العلاقات على غرار المدرسة الليبرالية والوظيفية والاعتماد المتبادل، العولمة ، ...إلخ.
6- المنظور: يعرف المنور بمجموعة الرموز والمفاهيم التي يستخدمها الباحث للاختيار بين مجموعة من البدائل في موضوع ما. وبذلك فالمنظور يسمح لنا باختيار مدركاتنا وتنظيمها وتوجيه أعمالنا.
والمنظور يعني القيم والمعتقدات والاتجاهات والمعاني التي تتوفر في الإطار الفكري، أو في جهة نظر الفرد إزاء موقف معين. ويتكون من مجموعة مبادئ تؤثر فيما يدركه الشخص في تفسير الظواهر المدروسة. وعليه فإن المنظور يعكس تأثير القيم والتصورات للباحث على موضوع البحث، والمدخل الذي يختاره، والنظرية التي يتبناها.
يرى "كارل منهايم" بأن المنظور هو الطريقة التي يرى بها الشخص موضوعا من الموضوعات. فالمنظور هو مجموعة العوامل المسؤولة عن اختلاف شخصين في الحكم على موضوع واحد. وعليه تصبح المعرفة نسبية وهي تبرز وجهة نظر الباحث وفق منظور معين. وفي ذلك يقول "روبرت كوكس": " النظرية دائما لبعض الأشخاص ولبعض الأغراض"، وفي رأيه كل نظرية تمتلك منظورا خاصا. والمنظور ينبثق من الوضع المحدد بالزمان والمكان الاجتماعي والسياسي والاقتصاد والثقافي وغيرهم. ورؤية العالم تتم من مواقع مختلفة، لطلك فالنظرية تمثل نفسها فقط، ويجب التعامل معها بطريقة نقدية.
7- القطيعة الابستمولوجية: وضع الفيلسوف الفرنسي "غاستون باشلار" مفهوم القطيعة الابستمولوجية في إطار تصوره لتاريخ العلوم الذي كان يعارض فيه النظرة التراكمية والاستمرارية لذلك التاريخ. وفكرته الأساسية أن العلوم تتطور بالكيفية التي تسمح باستنباط النظريات الجديدة من التاريخ السابق لها في مجالها. وأن تاريخ العلم هو تاريخ التجاوزات والقطائع الابستمولوجية أو أن تطور العلم حدث نتيجة هذه القطائع أو القفزات والتي سمحت بتجاوز العقبات الابستمولوجية وتصحيح الأخطاء العلمية أو تعديلها.
يرفض باشلار أن تكون ثمة استمرارية بين المعرفة العلمية والمعرفة العامية، ومن جهة أخرى، يرفض أن يكون ثمة استمرارية بين الفكر العلمي القديم والفكر العلمي الحديث والمعاصر.
تحدث القطيعة الابستمولوجية في المعرفة العلمية ذاتها بفضل الاكتشافات العلمية الجديدة والتي تكون منطلقا لأنساق علمية جديدة وأساسا لمراجعة الفكر العلمي لبعض المفاهيم التي كان يعتمدها في فهم النظريات العلمية الجديدة في إطار التطور التراكمي لتاريخ العلم.
ويمكن الحديث عن ثلاث مظاهر لهذه القطيعة:
المظهر الأول: القطيعة بالتغليف: لا تعني القطيعة انفصالا تاما عن الفكر العلمي السابق، أو رفضه رفضا مطلقا، وإنما تعني احتواء الفكر العلمي الجديد للفكر العلمي السابق، وهذا ما نسميه تغليفا. ومثال ذلك ما قاله "إنشتاين" بأن نظريته النسبية جعلت من نظرية "نيوتن" إحدى حالاتها الخاصة أو جزء منها.
المظهر الثاني: القطيعة بالتعايش: يمكن أن تتعايش النظريات رغم تناقضها و تعارضها.
المظهر الثالث: القطيعة التامة: مثلما حصل في الفيزياء الفلكية مع نظرية كوبرنيكوس حول مركزية النظام الشمسي.
8- العائق الابستمولوجي: يعني تلك الحواجز والمعيقات التي تحول دون التعلم واكتساب العلوم والمعارف أو دون المعرفة العلمية. وتتنوع العوائق الابستمولوجية كما يلي:
أ- عائق التجربة الأولى: والتي ترتبط بتلك الأحكام المسبقة التي تسبق القيام بالتجربة الأولى أو البحث في موضوع ما لأول مرة.
ب- عائق التعميم:كالتعميم الذي جاء به أرسطو وهو مستمر معنا إلى اليوم، فالتعميم لا يكون مجديا في بعض الأحيان، ويصبح عائقا أمام تطور المعرفة العلمية.
ج- العائق اللفظي: يرى "باشلار" أن تمدد الألفاظ والكلمات يمكن أن يشوش على الدماغ وعلى الأفكار ويمكن أن تستعمل خارج دلالاتها الأصلية. ومن ناحية ثانية، فإن استعمال هذه الألفاظ والمصطلحات في غير مواضعها وبغير دلالاتها يمكن أن يؤدي إلى نتائج خاطئة أو مخالفة لما هو مخطط.
د- العائق الجوهري: عندما نعطي صفات إضافية لجوهر الأشياء أو عندما تعتمد على مظاهر الأشياء والأحداث، ونعتبرها تمثيل للحقيقة وجوهر الأشياء والحقائق.
وعليه يمكن إعطاء تعريف إجرائي للعائق الابستمولوجي كما يلي: "هو مجموع التصورات والأفكار التي تؤثر سلبا في عمل الباحث والعالم، ويتعلق بالذات العارفة بمعنى أنه مشكلة الذات العرفة في علاقاتها بموضوعات تفكريها".
إلى جانب المفاهيم التي ذكرناها آنفا، هناك مفاهيم أخرى عديدة، نذكر منها مفهوم "الابستيمية" أو المنظزمة الفكرية الذي ظهر في مؤلفات وكتابات ميشال فوكو، والتي ساهمت في تقدم الابستمولوجيا كحقل معرفي مثل: "الكلمات والاشياء"، أركيولوجيا المعرفة"، حيث تبنى فكره مفهوم الإزاحة المعرفية" في تفسير تطور المعرفة.
كما ابتكر "كارل بوبر" مفهوم التفنيد والإحلال المعرفي، واشتهر توماس كوهن بمفهوم الثورات العلمية و"إمري لاكاتوش" بمفهوم البرامج البحثية، و"باول فيراباند" بالتعددية المنهجية.
المحاضرة الرابعة: تطور الدراسات السياسة ما قبل التأسيس
تمهيد: بقي علم السياسة باعتباره حقلا ابستمولوجيا، غير واضح المعالم حتى أواخر القرن 19م، في حين كانت حقوله (أو فروعه) المعرفية، مثل العلاقات الدولية والفلسفة السياسية تدرس كجزء من دراسات التاريخ. ولم تدرس السياسة بوصفها علما قائما بذاته، إلا بعدما أنشئت أول كلية للعلوم السياسية في جامعة كولومبيا الأمريكية عام 1880م. وأصبحت الجامعات الغربية تعترف بعلم السياسة كعلم أو فرع من فروع العلوم الاجتماعية والانسانية منذ نهاية القرن 19م. وترسخ هذا الاعتراف بإنشاء كل من المدرسة الحرة للعلوم السياسية في باريس 1871م، ومدرسة لندن لعلم الاقتصاد والسياسة. وقد تأكدت أهمية هذا العلم، باعتماده كمادة للتدريس في الجامعات الأوروبية بصفة عامة والجامعات الأمريكية بصفة خاصة، ومنذ ذلك الوقت انتشرت معاهد العلم السياسية وكلياتها في الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا.
ارتبطت نشأة وتطور علم السياسة الحديث بالتطورات والأحداث التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية منذ منتصف القرن 19م، وتحديدا مع اشتداد الحرب الأهلية الأمريكية والحاجة إلى تأصيل الكثير من الظواهر المرتبطة بها. زبعد ذلك الفصل التدريجي بين علم السياسة وباقي الحقول المعرفية الأخرى، مثل التاريخ، الجغرافيا، السوسيولوجيا والاقتصاد، ...إلخ.
يعود الفضل إلى إرساء علم السياسة كحقل معرفي مستقل ( أو كتخصص أكاديمي مستقل) إلى تأسيس الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية (APSA) في عام 1903م، وتولى "فرانك غودناو" (Frank J.Goodnow)، رئاستها. وقد عكف الباحثون في علمالسياسة، طوال العقود الأولى من القرن 20م، على محاولة نقل الحقل من حالته الجامدة إلى الفعل الحيوي والنوعي في طريقة دراسة الظواهر السياسية وتناولها، أين هيمنت الاقترابات والمناهج الوصفية والتقليدية الجامدة في دراسة الظواهر السياسية.
وقد جاءت أهم المساهمات في علم السياسة على أيدي كثير من الرواد وعلماء السياسة الامريكيين، أمثال "تشارلز ويليام"(Charles E. William) في عام 1921م، هارولد لاسويل (Harold Lasswell) (1902- 1978)، و"روبرت داهل" (Robert Dahl) (1915-2014)، وغيرهم، إلى درجة أن البعض يعتبر أن علم السياسة هو علم أمريكي بامتبياز.
وقد ظل علم السياسة يعاني معضلات وإشكاليات منهجية حتى منتصف القرن 20م. ولم يكن غريبا أن يشير عالم السياسة الامريكي "دافيد إيستون" (David Easton) (1917- 2014) إلى أنه:"حتى أواخر الستينات كان علم السياسة يبحث عن هويته"، وكان يقصد بذلك قدرة علم السياسة على رسم حدوده الابستمولوجية، مع باقي الحقول المعرفية الأخرى، فضلا عن إيجاد أدوات جديدة لبحث ودراسة الظواهر السياسية، مثل الاقتصاد السياسي والنظم السياسية المقارنة.
وذلك إلى أن ظهرت المدرسة السلوكية في أواخر الستينيات من القرن العشرين ، وأدت دورا محوريا في تطوير أدوات البحث في علم السياسة ومناهجه.
وبتتبعنا لتاريخ تطور علم السياسة منذ عهد الإغريق، نجد أن الطابع الفلسفي قد طغى بشكل كبير على دراسة الظواهر السياسية، أين كان ينظر للسياسة على أنها حقل معياري وأخلاقي، وبالتالي كان في كثير من الأوقات فرعا من فروع الفلسفة الأخلاقية، أو كما هو الحال في الفكر السياسي ما قبل الحديث والذي انصبت اهتماماته على ما ينبغي أن يكون بدل ما هو كائن. ومع ذلك، هناك من شذ على هذا الاتجاه على غرار ارسطو، ابن خلدون وميكيافيللي الذين اشتهروا بدراساتهم الدقيقة للعملية السياسية الواقعية ولم يغرقوا في المثالية، إلا أن علم السياسة لم يتسع خارج حدود الإطار الفلسفي إلا منذ وقت قريب.
كان هذا إلى غاية حدوث القطيعة الابستمولوجية وزهور علم السياسة كعلم مستقل عن العلوم الانسانية والاجتماعية الأخرى. وقد شهد حقل العلوم السياسة عدة حركات واتجاهات فكرية ومدارس علمية ساهمت في تطور هذا الحقل.
المحاضرة الخامسة: تطور علم السياسة بعد التأسيس
لقد مر تطور علم السياسة عبر خمس مراحل كبرى تميزت كل واحدة منها بسعي إحدى التوجهات المعرفية المهيمنة عليه. فكانت البداية مع النزعة الدولاتية كمرحلة أولى، والتي جعلت من الدولة كوحدة تحليل أساسية، ثم سادت النزعة التعددية مع نهاية العقد الثاني وبداية العقد الثالث من القرن العشرين، مطالبا باهتمام التحليل السياسي بفواعل أخرى من غير الدولة، ثم جاءت السلوكية في مرحلة ثالثة مع منتصف القرن 20م، ثم مرحلة الاتجاه نحو علم سياسة جديد خلال نهاية الستينات وبداية التسعينيات. ومع بدايات القرن 21م، برز معيار جديد تحت مسمى بروسترايكا علم السياسة.
أولا: النزعة الدولاتية في علم السياسة
إن دراسة علم السياسة وتطوره في فترة ما بعد تأسيسه كعلم أو تخصص مستقل بذاته، لا يمكن فصله عن تطور النظام السياسي الأمريكي والذي هيمن عليه الطابع الدولاتي مع نهاية القرن 19م، أين هيمنت المنهجيات الاستنباطية والمقولات المعيارية وشهد فيه علم السياسة الإرهاصات الأكاديمية الأولى، ومحاولة فصله عن الحقول المعرفية الأخرى التي كانت مرتبطة به كعلم التاريخ، الفلسفة والقانون.
عرف علم السياسة في هذه المرحلة على أنه "علم الدولة"، وكان المنهج المتبع في الغالب منهجا استنباطيا، أما المهمة التي كانت ملقاة على كاهل هذا العلم والمشتغلين به. فهومحاولة تطوير للمؤسسات الحكومية ووضع حدود لمفهوم المواطنة. وقد ظل هذا المفهوم مرتبطا بعلم السياسة حتى وقت قريب.
ظل حال علم السياسة هكذا حتى بداية القرن 20م، ولعل المتغير الوحيد الذي يمكن ملاحظته على مسار هذا العلم إبان تلك المرحلة، هو الاتجاه إلى المنحى الدستوري المفتقر إلى وضوح في أسلوب التحليل والمعالجة. وقد ظلت الفجوة قائمة بين الواقع السياسي للدولة ونظامها الدستوري.
وتجدر الإشارة إلى هيمنة تصور الدولة على الخطاب السياسي الأمريكي مع نهاية القرن 19م، وساهم في إكساب الدولة وزنا مهما في التحليل. وهكذا تمحور الخطاب العلمي والأكاديمي لهذا الحقل على الدولة ابتداء من "فرانسيس ليبر" (Francis Leiber)، والذي عين كأول أستاذ لعلم السياسة بجامعة كولومبيا الأمريكية عام 1857م، وصولا إلى "وودرو ويلسون" ( Woodrow Wilson) وغيره من الباحثين. خلال هذه الفترة كانت المهمة الرئيسية لعلم السياسة إرساء دولة قومية موحدة ومواطنة فاضلة.
ولم يكن "ويلسن" وحيدا في تصوره لنظام سياسي تؤطره أحزاب سياسية منضبطة، تقترح سياسات عقلانية معدة بعناية لناخبين لديهم الدراية الكافية. وعلى ضوء نتائج الانتخابات يقوم الكونغرس بإقرار السياسات التي تمت تزكيتها، لتعكف على تنفيذها بيروقراطية تتمتع بالخبرة وتطبق أفضل ما جاء بع علم الإدارة".
وقد أشار "فرانك غودناو" في هذا السياق أمام الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية، حول دور علم السياسة في تحقيق إرادة الدولة، حيث قال: "أحيانا تنشأ التحالفات السياسية لهذا الغرض (أي تحقيق إرادة الدولة)".
لكن الهدف الذي وجد من أجله مشروع الحركة التقدمية في أمريكا، يتمثل بالأساس في مكافحة الفساد، الزبونية، الماكنة الحزبية، المحاباة والجهوية، وهي المظاهر التي سعت النزعة الدولاتية إلى محاصرتها تماما مثلما عملت على إصلاح النظام الماديسوني (نسبة إلى توماس ماديسون أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية)، والذي أصبح غير ملائم للتحولات الاجتماعية الناجمة عن الثورة الصناعية. ومن جهة أخرى، فقد ركز بعض الباحثين في الاتجاه الدولاتي الذي يقدس مفهوم الدولة على معارضة الطابع الفدرالي للدولة بدعوى جعل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر توحدا. وبذلك يتضح أن الحقل المعرفي الناشئ باسم علم السياسة، لم يكن هدفه تقديم إطار تحليل لدراسة الظاهرة السياسية، بل تجسيد لأجندة سياسية أيضا. وهي الميزة التي اتسمت بها كل الحركات الثورية في العلم.
المحاضرة السادسة: النزعة التعددية في علم السياسة
كانت الولايات المتحدة الأمريكية نظاما سياسيا تعدديا بشكل يفوق آمال ذوي النزعة الدولاتية، ورغم أن الدولاتيين يقرون بالتعدد إلا أنهم يطلقون عليه وصف التجزئة، بل ويعتبرونه مشكلة يتعين حلها لا وضعية ينبغي تثمينها. هذه الحقيقة أشار إليها الأستاذ آرثر بنتلي" (Arthur Bently) في مؤلف له بعنوان "عملية الحكومة" (The process of Government)، والذي يعتبره السلوكيون أحد رواد السلوكية التعددية. وفي كتاب آخر اصدره لاحقا بعنوان (Makers , Users, And Masters)، عبر "بنتلي" عن إدانته لهيمنة مجموعات المصالح على السياسة الأمريكية. وهو ما يتفق مع أحد أسلاف السلوكية "تشارلز ميريام" (Charles Merriam)، والذي دعا في مؤلف نشره خلال العشرينات من القرن العشرين، إلى تقوية الديمقراطية وتعزيز التحكم في العملية السياسية والرعاية الاجتماعية. ورغم النزيف الذي تعرض له نظام الدولة المركزية، إلا أن تقديس الدولة استمر خلال العشرينيات من القرن الماضي لأنها كانت تلبي تطلعات وقيم معيارية.
غير أن التعددية المعيارية اضحت تحتل حيزا متزايدا مع ظهور مؤلفات "هارولد لاسكي" (Harold Laski) في 1917م، و"ماري باركيت فوليت" (Mary Parket Follet) في 1918م، كان كل منهما متأثرين بفلسفة "ويليام جيمس" (Wilyam James) التي شددت على وجود طرق عديدة يمكن للفرد من خلالها إدارة شؤونه. ومن هنا يمكن استشفاف حقيقة أن مفهوم التعدد لدى ذوي النزعة التعددية لا يرتكز على تعدد المصالح بل على تعدد الوسائل. أما "ماري فوليت" فقد كانت من دعاة تنظيم المجتمع في جماعات من القاعدة باتجاه القمة، معارضة بذلك الهندسة الاجتماعية التي كانت تعتمد على الاتجاه العكسي. وهي بذلك تختلف عن الدولاتيين في تقديسهم لدور الوصاية التي تمارسها الدولة.
ويرى "جورج كاتلين" (George Catlin) أن التعدد يعود على اختلاف مصالح المجموعات المشكلة للنسيج الوطني ، لا على تعدد التجارب هذه المجموعات ووسائلها. وإذا تمعنا جيدا في أعمال "كاتلين"، سنلاحظ تقاربا كبيرا بينه وبين الاتجاه الدولاتي الذي كان بمثابة التقليد البحثي السائد خلال تلك الفترة، خاصة وأن أنصار الدولاتية كانوا يعترفون بوجود التعددية، غير أنهم كانوا يرون فيها مشكلة يتعين حلها. وعموما فأن تعددية "كاتلين" من الناحية الواقعية لا تنطوي على تحول جذري في النموذج المعرفي السائد في الحقل، وإنما اعتبرت طريقته نظرية تفسيرية للواقع الاجتماعي.
ومن هنا يتضح أن الشيء الثوري الوحيد لدى التعدديون هو النظرة المعيارية لأطروحاتهم. ما يعني أن "هارولد لاسكي" و"ماري فوليت"، هما المؤهلان لتمثيل الثورة التعددية في الحقل المعرفي لعلم السياسة. لكن تطلعاتهم لم تحض بالقبول في علم السياسة إلا في خمسينيات القرن العشرين مع بروز الاتجاه السلوكي للحقل.
ومع ذلك، فإن الحديث يجب أن يتمركز حول المحاولة الثورية التي قام بها ذوي النزعة التعددية المعيارية (تعددية القيم لا تعددية المصالح)، وهي المحاولة التي باءت بالفشل، لأنها جوبهت بمقاومة عنيفة من التقليد البحثي السائد آنذاك، لا سيما من رموز الدولاتية: "تشارلز بيردو" (Charles Beardo)، و"وولتر شيبارد" (Walter Shepard)، "فرانسيس كوكر" (Francis Coker) وغيرهم.
المحاضرة السابعة: النزعة السلوكية في علم السياسة
تركز البحث والتحليل في هذه المرحلة على السلوك السياسي، والمرافعة المنهجية لصالح النزعة العلمية القائمة على المناهج العلمية. وتمثل النزعة السلوكية أيضا رسالة سياسية فحواها تشجيع الأسلوب العلمي في البحث والتحليل،وقدمت تصورا منظما للنظام السياسي.
وبالرغم من أن السلوكيين يركزون على سلوك الفرد باعتباره وحدة التحليل الرئيسية،إلا أنه لم يكن هناك مشكلة في دراسة سلوك جماعة الأفراد العاكفين في إطار مجموعة واحدة على تحقيق أهداف الجماعة، وقد كان كل من "روبرت داهل" (Robert Dahl)، و"دافيد ترومان" (David Truman) علماء السلوكية في بداياتها خلال الخمسينيات حيث ترأس "ترومان" لجنة السلوك السياسي التابعة لمجلس البحث في علوم الاجتماعية.
وقد تبنى الاتجاه السلوكي التعددية في شقها المتعلق بالمصالح لا القيم، أي ذلك التعدد الذي يقبع تحت مظلة التوافق حول المنطلقات والأسس بين المصالح الاقتصادية المتعارضة. ومع وصول الستينيات ظهرت كتابات عديدة تشيد بانتصار المدرسة السلوكية ونموذجها المعرفي، وأعطى ذلك انطباعا بأن السلوكية أحدثت ثورة علمية في علم السياسة وتحصلت على رضا الأكاديميين بفضل نجاحها في إعادة صياغة أجندة البحث، كنتيجة لإسهامات المؤيدين والخصوم على حد سواء.
لقد وجه الخطاب السلوكي الثوري انتقادات لاذعة لعلم السياسة التقليدي، الذي يعتمد المناهج التقليدية من مثل المنهج التاريخي المغالي في واقعيته، دون ذكر لهوية وأسماء خصومهم، أو الأعمال والمؤلفات التي تمثل الاتجاه التقليدي في علم السياسة.
غير أن أعنف هجوم علمي ثوري على الوضع القائم في حقل علم السياسة كان قد شنه "دافيد إيستون" في 1953م من خلال كتابه "النظام السياسي"، حيث أبدى نقمته على الوضع القائم في علم السياسة وعدم الرضا بين أخصائيي الحقل، وقدر محتوى الفصل الأول من هذا الكتاب سجالا فكريا كبيرا دون أن يتم الإشارة إلى أي عالم أمريكي يمكن إدانته بالمغالاة في الواقعية والإخفاق في التنظير.
وبالرغم من محاولته في الفصل الثالث من نفس الكتاب، أن يقدم نموذجا عن خصومه فأشار إلى "جيمس برايس" (James Bryce)، بالرغم من أن كتابات هذا الأخير تعود إلى نصف قرن مضى. أما في الفصل العاشر فقد انتقد ايستون" لجوء منظري علم السياسة التقليدي إلى تاريخ الفكر السياسي لكنه لم يجد "جورج سابين" (George Sabine).
بعد ذلك بوقت طويل، وبالتحديد في عام 1984م أصدر إيستون مؤلفا آخر يتحدث فيه عن علم السياسة التقليدي، وقال أنه بالغ في الاهتمام بالأحزاب السياسية وبمجموعات الضغط على حساب الدولة وكأنه يعيد للدولة قداستها وأهميتها في التحليل، ولتأكيد مزاعمه أشار إلى "آرثر بنتلي" و"ينديلتون هيرينغ" مغفلا حقيقة أن "بنتلي" قد اختفى من المشهد الأكاديمي في 1953م، وقبل حدوث ذلك، فإن "بنتلي" نفسه تحول إلى واحد من المتحمسين للسلوكية. أما "هيرينغ" ورغم أنه عاش حتى فترة صعود الاتجاه السلوكي في الخمسينات، إلا أنه لم يعارض السلوكيين، بل ساهم بشكل فاعل عام 1949م في تأسيس لجنة السلوك السياسي تحت مظلة مجلس البحث في العلوم الاجتماعية، والتي ترأسها هو شخصيا، وقد كانت هذه اللجنة المدخل الذي نفذ من خلاله السلوكيون إلى الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية.، كما كان لها دور حيوي في تمويل أعمال البحث السلوكي ورعاية مؤسسات المدرسة السلوكية. ورغم الانتقادات التي قدمها أيستون لهؤلاء العلماء والباحثين، إلا أن هؤلاء ساهموا بطريقة أو بأخرى في الحفاظ على انتصار النموذج المعرفي السلوكي.
وطالما أن السلوك، العلمية، التعددية والنظام هي أهم المبادئ والمفاهيم التي قامة عليها السلوكية، فإنه لا مبرر لاعتراض التقليديين عليها، ذلك أن البحوث التي تناولت السلوك على المستوى الفردي ذاع صيتها خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات، وكان قد تزعمها "هيرينغ"، "غوزنيل"، "لا زويل" و "لازرفيلد". ولقد كانت النزعة العلمية قائمة حتى قبل مجيئ السلوكيين وكانت التعددية بمثابة واقع أمبريقي أقرته النظرية التعددية غير المعلنة للتقليديين.
فما الذي يجعل من السلوكية ثورة علمية بالمفهوم الكوهني؟ تكمن الإجابة في أن السلوكية قامت بإحداث تغييرات جذرية في توجهات قائمة سلفا في علم السياسة.هذه المجالات المنتقاة هي السلوك، العلمية، التعددية، الوصف مقابل التفسير في الجوانب النظرية. بدءا بالسلوك، اعتمد السلوكيون على الدراسات المسحية التي تعتمد على مجتمع إحصائي أوسع، كما عمدوا إلى زيادة وتيرة الدراسات الكمية التي تصدرت صفحات الدوريات العلمية الرئيسية في التخصص. لكن، ومن جهة أخرى، فإن سيطرة السلوكيين على التخصص، ساهم في تراجع الدراسات المخصصة لتحليل السياسة العامة للحكومة.
أما النزعة العلمية الجديدة للسلوكيين، فقد ساعدتهم على تحصيل موارد جديدة لتمويل أبحاثهم لا سيما من الصندوق القومي للعلوم. أما بالنسبة للتعددية فقد طغى مجال دراسة السلوك على دراسة المؤسسات، لكن دون أن تسقط المؤسسات من أجندة البحث.
وبذلك، فإنه ومن بين السمات الأربعة السابقة، فإن مجال النظرية هو المجال الوحيد الذي حمل الجديد وأكسب السلوكية صفة الثورية، وهو ما نجم عنه إرساء النظرية السياسية كتخصص مستقل ومؤطر للبحث في علم السياسة. وبخلاف التحول في مجالات الاهتمام، فإن الجديد الذي حملته السلوكية كثورة تتمثل في إعادة صياغتها لتصور التعددية، من تعددية المنظومات القيمية إلى تعددية المصالح. وهيمنت هذه النظرية الجديدة وحلت مكان المعيارية التي سادت لفترة طويلة لدى الدولاتيين. ذلك لأن الحرب العالمية الثانية أماطت اللثام عن الجانب الرهيب للدولة، كان من الصعب إقناع أي كان بإعادة صياغة السياسة الأمريكية عبر إعطاء دور أكبر للدولة مثلما يدعو إليه أنصار الدولاتية.
لقد هيمنت السلوكية تدريجيا على تخصص العلوم السياسية، لكن ذلك لم يجعلها في منأى عن الانتقادات التي تصاعدت حدتها مطلع الستينيات. هذه الانتقادات لم يكن لها من دور سوى تأكيد هيمنة السلوكية ونجاحها في إعادة صياغة أجندة البحث في علم السياسة. من جهة أخرى، تنامى النقد الموجه للسلوكية من جهات أكاديمية أخرى، كانت تطالب بإصلاح علم السياسة وتفعيل دوره الايجابي، من خلال انتقاده وتوجيه أبحاثه نحو قضايا المجتمع.
المحاضرة الثامنة: المؤتمر من أجل علم سياسة جديد
أثمرت الانتقادات التي وجهها اليساريون للسلوكية ظهور ما يسمى: "المؤتمر من أجل علم سياسة جديد" والذي حاول تحديد معالم المرحلة المقبلة في علم السياسة وإعادة توجيهه. حيث تم تنظيم المؤتمر سنة 1967م خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للعلوم السياسية، أين تزعمه "بيتر باكراتش" (Peter Bachrach)، "كريستيان باي"(Christain Bay)، "تيودور لوي" (Theodore Lowi)، "مايكل برينت" (Michael Brent) وآخرون. كما تضمنت القائمة أيضا وجها بارزا في تخصص العلاقات الدولية "هانز مورغانتو" (Hans Morgenthau) والذي كان من بين المعارضين للحرب على فيتنام. وقدم المؤتمر مرشحا لرئاسة الجمعية.
ولتسويق أطروحاتهم عمد أعضاء المؤتمر إلى تغطية جوانب القصور في الاتجاه السلوكي، وتوجهوا إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية، والأزمات السياسية لتلك الفترة. وطالبوا باتخاذ موقف موحد من القضايا السياسية والدولية المثيرة للجدل: مثل حرب الفيتنام، التمييز العنصري، والفقر، إضافة إلى قضايا البيئة والمرأة.
وبالرغم من أن المؤتمرين، لم يجمعوا على رفض النزعة العلمية في علم السياسة، إلا أنهم رأوا بضرورة إعادة ترتيب الأولويات، لتكون العلمية في المرتبة الثالثة بعد الالتزام بقضايا المجتمع، ومدى صلاحية نتائج الأبحاث لمعالجة هذه القضايا. وقد برروا موقفهم هذا بكون مسألة تفسير السلوك السياسي، لا تشكل حقيقة مركز الثقل المعرفي في علم السياسة. وبذلك يبدو واضحا أن المؤتمر من أجل علم سياسة جديد" مثله مثل الاتجاهات الثلاثة السابقة جمع بين الأهداف الفكرية والبحثية والأهداف السياسية، غير أن أهداف المؤتمرين السياسية كانت واضحة مقارنة بالسلوكيين.
سخر أعضاء المؤتمر معظم جهدهم،لإصلاح الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية، وقدموا مرشحا لرئاستها خلال المؤتمر، ولعضوية مجلسها، لكنهم أخفقوا في الحصول على الرئاسة رغم استحواذهم على بعض المقاعد في المجلس، إلا أن بعض رواد المؤتمر من أمثال تيودور لوي تمكنوا لاحقا من الحصول على منصب الرئاسة في الجمعية.
وفي ظل الهيمنة السلوكية على أجهزة الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية، جمد السلوكيون كل لجان العمل التي دعا إلى تشكيلها أعضاء المؤتمر في 1968م، لكن "دافيد إيستون" سعى إلى التخفيف من حدة التوتر بين المؤتمرين والسلوكيين. فخلال كلمة له بصفته رئيسا للجمعية في 1969م،تحدث إيستون عن ثورة جديدة في علم السياسة، بإمكانها أن تجعل التقنيات التي طورها السلوكيون ونظريته للنظم في خدمة القضايا الاجتماعية وحل مشكلاتها.
لم ينجح إيستون في ردم الهوة بين الاتجاهين، لكنه نجح في إرساء تخصص جديد في علم السياسة وهو السياسات العامة.وهكذا ظل السلوكيون في إطار الجمعية متشبثين بمقاومتهم للتغيير الذي بشر به المؤتمر من اجل علم سياسة جديد.
لقد شن أنصار المؤتمر هجوما كاسحا على السلوكية، لكنهم جوبهوا بمقاومة شرسة، وبدل أن يتوجهوا نحو تشييد روابط تعاون مع التيارات المناوئة لهم، فقد كرسوا جهودهم على الصعيد المهني في محاولة الهيمنة على رئاسة الجمعية ولجانها لكنهم لم يفلحوا في ذلك.
وعليه فقد تراجع طموح أعضاء المؤتمر، وأصبح تنظيمهم مجرد قسم عادي ضمن أقسام APSA، يعمل على تمويل لجان عمله بشكل ذاتي، أما المجلة التي تم المؤتمر برعايتها تحت اسم علم السياسة الجديد (New Political Science)، فقد ظل انتشارها محدودا، ولم يظهر اسمها ضمن ابرز 115 دورية علمية في التخصص.
وإذا رجعنا إلى معايير قياس نجاح الثورات المعرفية، فإننا نخلص إلى اخفاق ثورة المؤتمرين من حيث:
- أنهم لم يتمكنوا من إعادة صياغة أجندة البحث في علم السياسة.
- أن أجندة البحث التي اقترحها المؤتمر، لم يكن معترفا بها في أوساط الباحثين.
- أن المناهضين لهم لم يكن يتعين عليهم تبني صيغة توفيقية، بل اكتفوا بتجاهل أطروحات المؤتمرين، ما يدل على ضعف طرح المؤتمرين.
المحاضرة التاسعة: بروسترايكا علم السياسة
شهد علم السياسة تحولات كبيرة في الفترة التي أعقبت الثورة السلوكية. وكان عودة مفهوم “الدولة” إلى تصدر أجندة البحث في الحقل قد أثار انتباه الباحثين إلى أن علم السياسة تحكمه نظام الدورات المعرفية ( فمثلا: مفهوم الدولة كان محور اهتمام الباحثين لفترة طويلة ثم تراجع ليعود إلى الواجهة في مرحلة لاحقة). غير أن الدولة عادت هذه المرة في ثوب جديد، فهي لم تعد قيمة مقدسة كما كانت خلال عصر تأسيس علم السياسة، ذلك أن النزعة التجزيئية المجتمعية للسلوكيين، أثرت في “الدولاتيين الجدد”، فهؤلاء يعتبرون الدولة متغيرا مستقلا، من حيث أن مسؤولي الدولة -من وجهة نظرهم- قد يعملون على تحقيق مصالحهم الشخصية؛ ولا يعكسون بالضرورة القوى الاجتماعية. وهم بذلك لا يحملون أي جديد، بل عاودوا التركيز فقط على فواعل معينين وعلى حوافز معينة للسلوك ( تحقيق المصالح الشخصية)، ويتفقون في ذلك مع السلوكيين من أمثال: “ترومان” Truman، والذي أقر بأن المسؤولين الرسميين يتفاعلون مع فواعل آخرين لتحقيق مصالح تحددها المؤسسات (المجتمعية) التي ينتمون إليها.
ويشير Almond في هذا الصدد إلى أن “النزعة الدولاتية الجديدة” لا تحمل في طياتها أية ثورة، أو تحولا في “البارادايم”، بل مجرد برنامج بحثي جديد يطمح إلى التمييز بين الأنظمة السياسية، من حيث مدى تأثيرها في الطريقة التي يعمل من خلالها الموظفون الحكوميون على صناعة السياسة العامة.
ما يميز برنامج البحث هذا، هو ما يميز برامج البحث بشكل عام، وهو أنه بإمكان الأكاديميين الناشطين في التخصص أن يتجاهلوه في حال لم يودوا الانخراط فيه. وفقا عن ذلك، فإن لغة هذا البرنامج البحثي (الدولاتي) لم تكن مستوعبة في أوساط علماء السياسة في تلك المرحلة. لكن خلال التسعينات، أصبح من الصعب جدا على علماء السياسة الأمريكية أن يتجاهلوا نظرية الخيار العقلاني رغم أن بدايات هذه المقاربة الجديدة (أو البرنامج البحثي الجديد) تعود لخمسينيات القرن الماضي، مع الأعمال التي نشرها: “كينيث أورو” Kenneth Arrow، “دونان بلاك” Dunan Blak، “أنطوني داونز” Anthony Downs، “ويليم يركر” William Riker. لقد كان استحواذهم تدريجيا على فضاء النشر الأكاديمي في علم السياسة يمنحهم مع مرور الوقت صفة البرنامج البحثي الأكثر شعبية في هذا الحقل المعرفي.
لكن نظرية الخيار العقلاني، وبدل أن تحدث ثورة في علم السياسة، فإنها ظلت تتوسع تحت ظلال “السلوكية”، و”الدولاتية الجديدة”، والمقاربتين: “الثقافية” و”المؤسساتية الجديدة”، وغيرها من البرامج البحثية القائمة في علم السياسة، والتي يتزايد عددها باطراد. لقد ادعى بعض رواد “الخيار العقلاني” بأن مقاربتهم تعتبر تطورا جديدا بني على أنقاض "السلوكية" (في شقيها "الديمقراطية الليبرالية" لـ "روبرت داهل" Robert Dahl و"نظرية النظم" لـ "دايفيد إيستون" ( David Easton)، لكن "السلوكيين" يرفضون هذا الطرح ويجددون إيمانهم بـ “النظرية التفسيرية التراكمية”، بمعنى أن التطورات المعرفية التي جاءت بعد ثورة “السلوكيين”، تساهم في “التراكم المعرفي” الذي وضعوا هم أسسه.
المحاضرة العاشرة: الأنساق المعرفية
أولا:النسق المعرفي المفتوح
وهو النسق الذي يكون فيه ولاء الباحث للحقيقة الواقعية أكثر من ولائه للنظرية أو الفلسفة التي يتبناها، ويكون تعطشه لاكتشافه وشرح جوانب من الظاهرة موضع دراسته في الواقع أكثر من رغبته في إثبات انطباق النظرية المستخدمة، وتسود هذا النسق قيم العالمية والأمانة والعدل والتجرد من المصلحة والتواضع والشك . و على مستوى نظريات السياسة المقارنة يكون الانفتاح حسب قدرة النظرية ودرجة تجريد معاييرها ومتغيراتها بالصورة التي تسمح باستيعاب جميع الحالات موضع الدراسة دون تحيز التجربة معينة، أو سعي لتعميم نمط معين، ومحاولة فرضه باعتباره الأمثل و الأفضل، أو إصدار أحكام معيارية نابعة من خبرة معينة، مثل التقليدية والحداثة والرشادة و غير الرشادة، والتخلف والتقسيم ... إلخ بحيث تستطيع النظرية استيعاب جميع الحالات وضع البحث، وتحسن التعامل معها دون تشويهها أو نفيها خارج العلم أو خارج الحضارة، وتستطيع كذلك أن تنظر إلي كل نظام سياسي على أن له خصائص متفردة في ذاته، بحيث لا يؤخذ نظام سياسي معين على أنه قاعدة أنموذج أكثر عمومية ، ومن أمثلة هذا النسق في نظريات السياسة المقارنة ما قدمه ديفيد أبتر من تقسيم لعناصر النظاد السياسي التي تتم المقارنة بينها، حيث قسمها إلى فئات أكثر تجريدا أو عمومية، إذ جعل محكات المقارنة هي: الامام الحكومة والجماعات السياسية ونظام التراتب الاجتماعي ، وهي فئات من العمومية بالدرجة التي تستوعب معظم إن لم يكن كل المجتمعات السياسية. ومثله نموذج ديفيد أيستون المعروف بالتحليل النظمي خصوصا في تطويرات Powers، ونموذج كارل دويش في التحليل الاتصالي. كذلك هناك العديد من المحاولات والاستراتيجيات البحثية التي لم ترق لدرجة النظريات أو النماذج، إلا أنها تستبطن أنساقا مفتوحة، فهناك من يتخذ من سؤال واحد محكا للمقارنة هو : ماذا تريد الشعوب من حكامها؟ ويعتبر هذا السؤال استراتيجية مقارنة تدرس، ماذا تريد الشعوب من حاجات، وكيف يحقق الحكام هذه الحاجات؟ وهل يحققونها أم لا؟ وقد وضعت قائمة الحاجات و القيس البشرية في مختلف الثقافات والأنماط البشرية من خلال دارسات أجراها علماء النفس والاجتماع و السياسة والاقتصاد، وإلى الآن لم يتم اعتبارها عالمية، بحيث تكون مقبولة من كل الباحثين في كل الثقافات ، ولذلك هناك اقتراح بطر ح مجموعتين من الأسئلة كإستراتيجية للمقارنة :
أولها: كيف تساعد الحكومة الشعب في تحقيق القيم الخاصة به ماذا تفعل الحكومية لحل مشاكل الناس؟ كيف تستطيع قياس ومقارنة الأداء السياسي في بلدان مختلفة
وثانيها: ما هي العوامل والمتغيرات التي يجب النظر إليها عندما نفسر المستويات المختلفة للأداء الحكومي؟ وما هي الاختلافات التي تحدث في الأبنية والأيديولوجيات المختلفة؟ .
كذلك هناك محاولة ثانية اقتربت من دراسة مجموعة من النظم السياسية من خلال خمسة عناصر أساسية :
1- تأثير الماضي، خصوصا الأحداث والمتغيرات الأساسية في المؤسسات والاتجاهات، من خلال دراسة أثر الجغرافيا والتاريخ و العلاقات السابقة والدين..
2 - المؤسسات المفتاحية التي تمثل أبنية القوة وكيف تكونت؟ ومن يتحكم فيها؟
3 - الاتجاهات السياسية التي تتحدد من خلالها الطريقة التي ينظر بما الشعب، للنظام الاجتماعي والسياسي
4- أنماط التفاعلات، وكيف تتم اللعبة السياسية؟
5- على أي شيء يختلف الناس ويتصار عون؟ و ماهي أنماط الصراعات؟
وعلى الرغم من وجود مثل هذه الأنساق المفتوحة للمقارنة إلا أنها لم تستطيع الانتشار بصورة تحقق التوازن والعالمية في الحقل ، فتناول النظم السياسية بص . هیج مقارن لم يزل تسيطر عليه الدول الغربية بصورة واضحة ، بل عادة ما يتر له منهج خاص لتناول دول العالم غير الغربي ومحكات خاصة مختلفة عن المستخدمة مع الدول الغربية للمقارنة بينها، ناهيك عن أن مجرد تقسيم العوالم إلى ثلاثة أول وثاني وثالث يعد في حد ذاته مفتاحا لإغلاق أي تسق يقارب النظم السياسية من منظور مقارن.
كذلك يجب التأكيد على أن وصف النماذج السابقة بأنها أنساق مفتوحة وصف يتصرفه فحسب إلى محكات ومعايير المقارنة، ولا يتعلق بالفلسفة الكامنة خلفه هذه النماذج.
ثانيا: النسق المعرفي المغلق
وقد أطلق عليه توماس کوهن: الأرثوذكسية العلمية ، ويعتبر النسق السائد في حقل السياسة المقارنة، والذي يشكل معظم المسلمات الكبرى للحفل، ابتداء من تقسيم البشرية إلى عوالم ثلاثة قياسا على معيارية التجربة الأوربية الغربية، حيث العالم الأول هو العالم الصناعي الحديث الديمقراطي المتمثل في غرب أوربا والولايات المتحدة واليابان وأستراليا، و الذي تقوده نظم ديمقراطية ليبرالية تعددية تنافسية والعالم الثاني وهو أيضا في شرق أوروبا وامتدادها في آسيا، وكان يطلق على الاتحاد السوفييتي و النظم الاشتراكية(سابقا).أما العالم الثالث باقي دول العالم في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، وهي دول متنوعة في نظمها السياسية و أيديولوجياتها، وقليلا ما تكون نظمها شرعية، فهي غالبا ما تعاني نقصا في الدعم الشعبي لها، وتمارس العمل السياسي في جو من الشك والخوف، ويسود اقتصاد تابع متخلف.
ويعد هذا المدخل الكلي في التعامل مع النظم السياسية في العالم نسقا مغلقا، يقسم العالم إلى مجموعات صارمة حادة، تحول دون الحراك الدولي والانتقال من فئة الأخرى، وقد أظهر انهيار الدول الشيوعية في شرق أوروبا - ودخولها في أنماط تفاعل مختلفة لم تتحول من خلالها إلى العالم الأول إلا إذا ذابت في كيانات أخرى مثل ألمانيا الشرقية. إن هذا التقسيم يفرض حتمية تاريخية غير مبررة، وغير قائمة على معايير وأسس موضوعية ثابتة، إلا إذا كان المعيار هو تبني النموذج الغربي في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، و علی ذلك، فإن هذا النمط في التصنيف متحيز و متمرکز عرقيا حول الذات، وغير واقعي. إذ هل ستظل جميع الدول في أماكنها؟ أليس هناك تقدم وتطور سياسي
وفي نفس الوقت انهيار سياسي؟ هل مازالت يوغوسلافيا والاتحاد السوفييتي كما كانت؟ هل ما تزال تزال الصين عالما ثالثا؟.
وبالنظر إلى الدراسات التطبيقية في السياسية المقارنة، نجد أنها تعتمد هذا التصنيف مدخلا أساسيا في مقارنة النظم، فتختار نماذج من كل عالم على حدة، وتفرد لكل منها خطة مختلفة لدراسته، ففي دول العالم الأول يتم المقارنة بناء على محددات: الديمقراطية و الثقافة، الأبنية و المؤسسات، الأحزاب ، جماعات المصالح. وفي العالم الثاني تكون محاور التركيز في أيديولوجية الحزب الواحد، الحريات العامة، حقوق الإنسان، الرفاهية. وفي العالم الثالث يتم تناول الخلفيات التاريخية، وحقوق الإنسان، والقبلية، و التنمية، والتخلف، وهذا يجعل المقارنة أصلا غير قائمة على المستوى الكلي، و إنما هي مقارنات داخل دوائر ثلاثة، يركز في بعضها على مواطن القوة، وفي الأخرى يتم إبراز نقاط الضعف و القصور، بناء على معايير غير موحدة و غير واضحة، ومن ثم لا يمكن الوصول إلى نظرية عامة.
أما فيما يتعلق بدراسة النظم السياسية مفردة، فقد سيطر على معظم نظريات السياسة المقارنة نسق مغلق، منذ زمن أرسطو حتى اليوم، خصوصا فيما يتعلق بتصنيف النظم، الذي هو حجر الزاوية في التحليل المقارن .
ثالثا: النسق المعرفي المختلط: المنفتح في مطلقاته، المغلق في استراتيجياته .
وهذا النمط من نظريات السياسية المقارنة بمثل محاولات تقع ما بين النسق المفتوح والنسق المغلق، حيث تبدأ عادة بأطروحات منفتحة على مختلف "أنماط الحياة في العالم، ومختلف الثقافات ، وترفض الانغلاق على التجربة الأوروبية، تنتقد محاولات تعميمها، وفرضها كنسق عالمي يستطيع استيعاب مجمل التجارب البشرية في تطورها التاريخي، ويحدد شكل أو هيكل مستقبلها. وسنركز في هذا النسق على نموذجين اثنين هما :
1 - نموذج فريد ريجز: ينتقد فريد ريجز منذ البداية المحاولات القائمة في حقل البحث المقارن، ويحدد الصعوبات المعرفية والمنهجية القائمة في وجهه، و يرجعها إلى:
أ- صعوبات تتعلق بتحليل النظم غير المألوفة لدى الباحث الأوروبي بسبب كونه غير قادر على تصور أي شيء مخالف تماما لما هو عليه، وهذا ما يطلق عليه الأنثروبولوجيون ، التمرکز العرقي حول الذات Ethnocentrisme ، و تتمثل في محاولة نشر القيم الغربية لدى الشعوب التي لها ثقافات مخالفة. وعلى الرغم من تطور الدراسات حول التحيز في دراسة المجتمعات البدائية وغير الأوربية إلا أنها حققت نجاحا جزئيا في التقليل منه ويعتبر "ريجز" أن نموذج "الموند" المبني على التحليل النظمي والوظيفي يتجاوز أطر التحليل الغربي المقتصرة على النظم الأوربية، غير أن هذا النموذج في نظر ريجز - ليس عالميا، لأنه يفترض وجود منظمات رسمية معقدة في كل الدول . وطبقا لما يراه Capslow فإن المنظمات هي نظم اجتماعية لها هوية أو شخصية جماعية، ولها قائمة من الأعضاء، وبرنامج النشاط، ولها إجراءات لإحلال الأعضاء، و قواعد لتحديد الأهداف، والسياسات.
ب - إن نموذج الموند مقيد وشديد المحدودية في بعض الأبعاد لأنه لا يستطيع احتواء النظم غير المنظمة بالمعنى السابق للتنظيم. حيث إن هذا النموذج يعتمد على التصنيفات الوظيفية أو التحليلية المعتمدة على المفاهيم البنيوية، وهذا يجعل من الصعب تطبيق نموذج المدخلات والمخرجات علی مختلف أنواع التنظيم ولذلك فإن محاولة فهم الوظائف التي حددها ألموند والمتمثلة في التنشئة السياسية، والتجنيد السياسي، والتعبير عن المصالح وتجميعها، والاتصال السياسي، وصنع القاعدة وتنفيذها، والتقاضي بموجبها يستلزم إعادة تعريف مفهوم النظام السياسي، ليشتمل على ممارسات هذه الوظائف، و هي تقريبا كل أنواع الفعل الاجتماعي، ومن ثم فإن حدود النظام السياسي سوف تختفي و إذا أردنا استخدامه في المقارنة، فإننا نحتاج إلى معايير تمكننا من تحديد ما يدخل في النظام السياسي وما يخرج عنه، وما يتم تضمينه وما يتم استثناؤه، وإلا فإن النظرية سوف تكون غير قابلة للتطبيق، أو غير عملية، وصياغة فروضها مستحيلة .
ج . تقوم أغلب النظريات باختزال النظام في بعض عناصره، أو محدداته، أو بيئته، حيث تركز على أحد أبعاد النظام، وتعتبر أنها هي كل النظام، مثل السلوكية التي تختزل النظام في سلوك الأفراد الفاعلين فيه على حساب دراسة النشاط في الطريقة التي تتم ممارسته فيها. و اتخاذ الإحصاءات والمعلومات الكمية لمجموعة من النظم كقاعدة للمقارنة، في الوقت الذي يتم التأكيد فيه من الناحية الأكاديمية على أن كل نظام متفرد في ذاته، ولابد من فهمه في إطاره الكلي باعتباره شيئا متكاملا مختلفا عن غيره من النظم .
د. الهلع أو الخوف من الجديد The Phobia against ، هنالك دائما إصرار على الألفاظ والمفاهيم التقليدية، والخوف من إيجاد مفاهيم جديدة ، فمقارنة النظم السياسية باستخدام مفاهيم مثل الجمهوري والملكي والبرلماني والفيدرالي... الخ لم يعد مفيدا، ولما كان أي تصنيف للنظم لا يحكم عليه بصحته أو خطئه الداخلي، و إنما فائدته أو عدم فائدته ، فإن استخدام هذه المفاهيم مثل وصف أثينا و أمريكا والاتحاد السوفيتي بالجمهورية أمر يثير الاستفهام والتساؤل ، كذلك فإن مفاهيم الديمقراطية و الدكتاتورية والشمولية لا تشير إلى خصائص بنيوية في المجتمع السياسي، بل إلى خصائص وظيفية تجعلها تصلح لتحديد خصائص النظم في الدول الصناعية المتقدمة ولا تصلح في غيرها.
هـ - اختلاط المفاهيم الجوهرية بالعرضية، فكثيرا ما يتم الفصل بين النظم السياسية بناء على معايير خارجية عرضية أكثر منها داخلية جوهرية فمثلا تستخدم مفاهيم الحديث، والتقليدي، و المتقدم والبدائي ، والحداثي وما قبل الحداثي، لتقدم تصنيفات مؤقتة وتاريخية أكثر منها تصنيفات تركز على جوهر وحقيقة النظم كل تلك التصنيفات ليس إلا وهما فاسدا ، لأنها تنظر إلى النظم التي يطلق عليها الحديثة وكأنها نظام واحد والتقليدية كذلك، وجميعها ألفاظ فارغة من الدلالة و المعنى، ونفس الأمر ينطبق على استخدام تصنيفات تقوم على مراحل النمو الاقتصادي مثل الدول المتخلفة والصناعية … إلخ بصورة تعطي انطباعا بأن هناك دالة تزاوج بين الخصائص الاقتصادية والخصائص السياسية للنظم وبعد أن وجه فريد ريجز كل هذا الانتقاد و الرفض للتصنيفات الظاهرية وغير الجوهرية والمنطوية على مفارقات تاريخية... إلخ، طرح تساؤلا: هل نستطيع اكتشاف أو اشتقاق تصنيف يعتمد على الجوهر الداخلي، ولا ينطو على مفارقات تاريخية؟ وقد أجاب على ذلك بتقديم تصنيف يقوم على محكات اربعة:- السلطة التنفيذية، البيروقراطية، السلطة التشريعية، الأحزاب.
ومن خلال توافر هذه العناصر الأربعة الأساسية التي تمثل جوهر وجود أي نظام سياسي، يمكن قياس مدى تطور أي نظام. ومن خلال ذلك قدم تصنيفا سداسيا :
1 - نظام تنعدم فيه القيادة أو الرأس السياسي Auphaly و هو نظام بدون سلطة تنفيذية أو بيروقراطية أو تشريعية أو أحزاب، وهو النظام الذي يوجد في المجتمعات الترابية .
2-نظام يقوم على وجود الرئاسة والهيئة التنفيذية rocephaly وتنعدم فيه الأبعاد الثلاثة الأخرى، وهو يشبة النظم الكلاسيكية خصوصا تلك التي شرحها أرسطو.
3 - النظام المتساوي الأبعاد في القمة Orthocephaly، وهو نظام توجد فيه المؤسسة التنفيذية والبيروقراطية، ولكن تنعدم فيه المؤسسة التشريعية والحزبيه، وذلك مثل البيروقراطيات التقليدية والمجتمعات الإقطاعية.
4- النظام المختلف الرؤوس Heterocephaly، وهو نظام توجد فيه السلطة التنفيذية و البيروقراطية والتشريعية، ولا توجد فيه أحزاب، ويشار فيه السلطة التشريعية على أنها نوع من مركز القوة قادر على موازنة السلطة التنفيذية، وهو نظام الدولة ما قبل الحديثة.
5- نظام ما وراء الرأس Metaceyhaly وهو النظام الذي توجد فيه الأبعاد الأربعة: التنفيذية، و البيروقراطية، والتشريعية، و النظام الحزبي، وينطبق على النظم المعاصرة.
6- نظام ما فوق الرأس Supercephaly، وهو النظام الذي توجد فيه الأبعاد الأربعة وغيرها، ويطلق عليه النظام السياسي ما بعد الحداثي، وتوجد فيه المؤسسات الأساسية للحكومة، ويستطيع الجنس البشري من التغلب أو التعامل بصورة أفضل مع المشكلات الواسعة التي تواجهه نتيجة للثورة الصناعية والنووية، وهذا النظام السياسي ربما يكون من الممكن أن يمثل إطارا حيويا للحكومة العالمية وبالنظر إلى هذا النموذج الذي اعتبره فريد ريجز عالميا، يتجاوز جميع النماذج المغلقة المتمركزة حول الذات، فإنه على الرغم من اتساعه واستيعابه لأبعاد أفقية ورأسية في النظام السياسي، وقدرته على التوغل في التاريخ، وشموله لمعظم أبعاد الظاهرة السياسية، إلا أنه يندرج في إطار نماذج المتصل التاريخي، حيث إنه يسير وفق منهج تطوري خطي من بداية التاريخ في المفهوم والتصور الأوروبي إلى ما بعد الحداثة والحكومة العالمية، حقا إنه استطاع أن يستوعب الامتداد الزماني و المكاني للتصور الغربي لتطوير المجتمع الإنساني ونوعية النظم القائمة فيه، ولكنه لم يخرج عن حيز المعطيات الحضارية الغربية، بل إنه وقع فيما انتقد فيه الموند ، فعلى الرغم من أنه رفض التصنيف طبقا للمنظمات إلا أنه قدم تصنيفا يقوم على أربعة أنواع من هذه المنظمات التي ليست عالمية أو كونية أو تاريخية، وليست هي المحددات الأساسية للنظم السياسية في المجتمع البشري، ولعل مثال الأحزاب دليل واضح على ذلك.
2 - نموذج بلوندل
مثلما فعل فريد ريجز بدأ بلوندل بانتقاد النسق المعرفي القائم في حقلي السياسة المقارنة على أساس أنه غير واف، ولا يستطيع شمول واحتواء النظم السياسية المختلفة و الثقافات المتنوعة، وقد ركز بلوندل على محاولات تصنيف النظم السياسية باعتبار أنها قلب الحقل ومحوره، حيث يرى أنه منذ زمن أرسطو إلى الآن، و هناك العديد من الجهود تسعى للتوصل إلى التصنيف المبتغى أو الكامل الذي يمكن من استيعاب، جميع الدول، إلا أنها لم تحقق نجاحا كبيرا. لكن حتى فشلها له أبعاده المعرفية المفيدة.
وقد قسم بلوندل المحاولات السابقة إلى نمطين :
الأول: أورد فيه العديد من تصنيفات النظم السياسية أو الجماعات التي أخذت بصورة جزئية و احدا أو اثنين من المعايير، حيث يتم التصنيف، أحيانا طبقا للدساتير، و أخرى طبقا لتقسيم الدول إلى برلمانية ورئاسية أو دكتاتورية، وفي بعض الأحيان طبقا لتوزيع القوة بين السلطات والفصل بينها. وهذه المناهج في التصنيف لا تأخذ في اعتبارها محتوى العملية السياسية، إذ يندر أن تضع في اعتبارها قضية أهداف النظام أو قضية المشاركة السياسية
والثاني: يركز على التصنيفات الثنائية والثلاثية، مثل التقليدية والحديثة والصناعية والزراعية... إلخ .
بل لغرض الخروج من حالة الفشل والعجز عن استيعابية جميع النظم أو جميع أبعاد الظاهرة السياسية، تقوم هذه المحاولة على إجابة ثلاثة أسئلة أساسية يعتبرها محور الظاهرة السياسية و جوهرها، هذه الأسئلة هي: من يتخذ القرار؟ وبأي طريقة يتم اتخاذه؟ وما هو موضوع القرار وأهدافه؟ ومن هذه التساؤلات يخرج بمحاور لتصنيف النظم السياسية؛ فبحسب السؤال الأول المتعلق بمدى المشاركة في صنع القرار هناك النظم الديمقراطية مقابل الملكية أو الأوليجاركية. ونظرا لوسائل الحكم المتعلقة بالسؤال الثاني هناك النظم الليبرالية في مقابل السلطوية، وجوابا على السؤال الثالث المتعلق بالأهداف من عملية الحكم أو الأيديولوجية الخاصة به، هناك نظم راديكالية وأخرى محافظة ، ويعتبر بلوندل كل زوج من هذه الأزواج الثلاثة عبارة عن خط متصل، يقع على طرفيه النموذجان المتقابلان، وبينهما مراحل و أنواع تميل إلى أحد الطرفين أو الأخر ، وكلما كانت في الوسط فذلك الأفضل، حيث يطلق عليه الوسط السعيد الذي يقع ما بين المتناقضات ، و يعتبر أن هذه الأزواج الثلاثة - الديمقراطية: الملكية، والليبرالية: السلطوية، و الراديكالية: المحافظة عبارة عن أنماط أو نماذج مثالية لا يوجد نظام يتصف بأي منها بصورة الكاملة" - ومن ثم فإن محاولة التصنيف طبقا لهذه النماذج تنتج أنواعا متعددة من الأنظمةويخلص بلوندل من هذا النموذج إلى تقديم خمسة أصناف توضع داخلها النظم السياسية المعاصرة:
1 - الديمقراطية الليبرالية: وهي نظم تتميز بالتأكيد على ديمقراطية صنع القرار، ومؤسسة على المبادئ التي طورها جون لوك ومنتسکیو تطورت فيها المشاركة منذ القرن التاسع عشر بعد عملية تحول ديمقراطية لكن يلاحظ عليها أن المساواة، وتوزيع العوائد الاجتماعية محدودة وينظر اليها نظرة براغماتية
2 - النظم الشيوعية: وهي راديكالية سلطوية، وتعتبر المناقض للنظم الديمقراطية الليبرالية. وفي هذه النظم تعطى الأولوية للمساواة في العوامل الاجتماعية ثم المشاركة لكل الشعب، ولكن المشاركة أصبحت محدودة من أن أخذ الحزب الشيوعي دورا خاصا في العملية السياسة .
3 - النظم التقليدية المحافظة: وهي تحكم عادة الاوليجاركية، و كانت منتشرة في الماضي، وأصبحت قليلة التمثيل في الحاضر، وفيها یکون توزيع العوائد قليلا حيث يظل الغني غنيا، إذ ليس هدف هذا النظام إعادة التوزيع، لأنه يحافظ على الوضع القائم. وهو سلطوي إذا نظرنا إليه - خارجه، ولكن إذا نظرنا إليه من الداخل يتضح أن هناك معادلة أخرى تجعل أقل سلطوية.
4 - النمط الذي أطلق عليه بعد الحرب العالمية الثانية مصطلح " ( الدول النامية " لأنها تحاولي وبطرق مختلفة مستمدة من الشيوعية أن تحقق الأمن الأوسع في العوائد الاجتماعية والاقتصادية، سواء بصورة مباشرة أو بزيادة السلع الموزعة وذلك إتباعا لسياسات الدول الشيوعية حيث هناك بعض التأكيد على المشاركة من ثم فهي بعيدة عن الملكية و الأوليجاركية، لكنها قد تگون سلطوية، لذلك أطلق عليها النظم الشعبية حيث تتميز بأشكال ديمقراطية نسبيا في الحكم ووسائل سلطوية و أهداف سياسية تقع في الوسط بين الراديكالي والمحافظة
5 - النظم السلطوية المحافظة: وهي التي توجد عندما تكون هناك مقاومة كافية لتوجهات المطالبة بمزيد من المساواة، أو مزيد من المشاركة وهدفها هو الحفاظ على عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية ووسائلها عادة القوة
وعلى الرغم من أن هذا النموذج بدأ مثلما فعل ريجز بطموحات، وسعى للوصول إلى الانفتاح على جميع الثقافات والتجارب، وقدم ثلاثة أسئلة مهمة جدا تمثل نسقا مفتوحا يمكن أن يصلح لمقارنة جميع النظم إلا أنه عندما أجاب عليها كانت إجابته المتمثلة في التصنيف الخماسي أكثر انغلاقا على التجربة والتاريخ والنظم الأوروبية. ولذلك كان من الأفضل أن يقف عند طرح الأسئلة، أو عند فكرة وضع الأزواج الثلاثة من الأنماط المثالية على متصلات أو محاور تتدرج عليها النظم قربا و بعدا من كلا الطرفين.
- Teacher: djilali bechlaghem
يدرس المقياس أحد أهم المحاور في علم السياسة ، فهو يختص بدراسة العلاقة بين الدول وشؤون تنظيمها و يدرس النظريات والأطر التحليلية لفهم مجالالات العلاقات الدولية
- Teacher: hichem saghour
مقياس مدخل لعلم الإدارة
https://drive.google.com/drive/folders/1b1DYDY3Mf19ksYT38ERNYicT3ZmrDB8C
- Teacher: benali mehamli