Informations du cours
محاضرات منهجية العلوم السياسية
السداسي الأول
قسم السنة أولى علوم سياسية
جامعة غليزان
الاستاذ: جيلالي بشلاغم
موسم 2023- 2024م
المحاضرة الأولى: ماهية المعرفة العلمية
تعتبر المعرفة ضرورية للإنسان لأن معرفة الحقائق تساعده على فهم المسائل التي يواجهها يومياً. إذ بفضل المعلومات التي يحصل عليها يستطيع أن يتعلم كيف يجتاز العقبات التي تحول دون بلوغه أهدافه.
أولا: أنواع المعرفة
المعرفة نوعان:
معرفة عامة:
يحصل عليها الإنسان من خلال احتكاكه بالأفراد ومشاهدة ما يجري يوميا وتكوين انطباع عام عن أي موضوع. إلا أن هذه المعارف والتفسيرات التي تكوّن ما نسميه بالحس المشترك، فيمكن أن تظهر فعالية كبيرة في الحياة اليومية، لكنها لن تكون ملائمة تماما للبحث العلمي.
معرفة علمية:
هي نوع من المعرفة تقوم على دراسة الظواهر التي يتم إدراكها في غالب الأحيان عن طريق الحواس، وهي تقوم على أساس المنهجية في الدراسة الشاملة للموضوع، بحيث تكون النتيجة النهائية قائمة على تحليل دقيق للحقائق وعلى فهم عميق للأدلة والشواهد المتوفرة عن محتوى الموضوع.
من جهة أخرى، فإن طرق الحصول على المعرفة تختلف من موضوع إلى آخر:
فهناك المعرفة الحسية: التي يكتسبها الانسان عن طريق حواسه المجردة كالسمع، واللمس، والمشاهدة، وهي معرفة بسيطة.
وفي الدرجة الثانية من الصعوبة تأتي المعرفة التأملية أو الفلسفية، وهي تتطلب نضجا فكريا وتعمقا في الدراسة والتحليل.
وفي الدرجة الثالثة من الصعوبة تأتي المعرفة العلمية التجريبية، وهي التي تقوم بأسلوب علمي قائم على الملاحظة المنظمة والمقصودة للظواهر، ء وعلى أساس وضع الفروض العلمية الملائمة والتحقق منها عن طريق الاختبار والتجريب. هذا النوع من المعرفة يفرض على الباحث عدم الاكتفاء بتوضيح معاني المفردات، بل يحاول أن يصل إلى القوانين والنظريات العامة التي تربط هذه المفردات بعضها ببعض، وتمكنه من التعميم والتنبؤ بما يحدث للظواهر المختلفة في ظروف معينة.
ثانيا: خصائص المعرفة العلمية:
1- القابلية للتحقيق والاختبار: كل معرفة علمية يجب أن نتحقق من صحتها. ورغم أنه لا بمكن التحقق دائما وفي الحال من كل الإجراءات المصممة خصيصا لظاهرة ما، فان القيمة العلمية لإدراك هذا التصميم وفهمه لا يمكن ضمانها إلا بعد التحقق منها. هذا يعني أن المعرفة العلمية تتطلب دائما حججا وبراهين.
2- التراكمية: التطور الدائم والمستمر للمعارف الخاصة بالعلم
إن المعرفة العلمية تتطور وتتقدم دائما ولا يمكن أن تكتفي بما تم اكتسابه. فضلا عن ذلك، فكل باحث لا يبدأ من الصفر كما لو لم يتم (في مجاله) أي شيء من قبل. فيستعمل النظريات والاكتشافات السابقة لتفسير اقتراحات ونظريات باستمرار.
ثالثا: مصادر المعرفة العلمية:
لقد حاولت الابستمولوجيا دراسة أسس المعرفة العلمية بأطروحتين:
أ- أطروحة الاستقراء:
تمنح أطروحة الاستقراء الأسبقية لجمع الملاحظات عن الظواهر بهدف الاستنتاج الممكن للافتراضات العامة. " فالاستقراء العلمي استدلال مستمد من ملاحظة وقائع خاصة، بهدف استخلاص افتراضات عامة".
ب- أطروحة الاستنباط:
إن هذه الأطروحة تدعي أن العلاقات الممكنة بين الظواهر ما هي إلا بناءات فكرية يمكن التحقق منها في الواقع لاحقا.
المحاضرة الثانية: ماهية العلم والتفكير العلمي
أولا: مفهوم العلم
في القديم كانت الفلسفة تشمل كل العلوم، وكانت تعتمد على منهج التأمل الذي لا يوصل إلى نتائج تحل المشاكل، مما أدى بضرورة استقلال العلوم عن الفلسفة، فحدثت قطيعة معرفية باستقلال عدة علوم عن الفلسفة بشرطين أساسين هما المادة (المنهج)، والموضوع (الظاهرة).
ومن أهم المحطات التاريخية التي مر بها العلم حسب عالم الاجتماع "أوجست كونت" هي:
أ/ المرحلة اللاهوتية: مر بها العلم كأول مرحلة، فكل شيء يخضع لقدرة إلا له، وكانت تعبر بالطقوس.
ب/ المرحلة الميتافيزيقية: حاول الفكر البشري في هذه المرحلة الخروج إلى ما وراء الطبيعة.
ج/ المرحلة الوضعية: وفي هذه المرحلة أصبح العلم يبحث في أسباب الظواهر من خلال ( التجريب، الملاحظة المقارنة...) وهذا من أجل إدراك حقيقة الأشياء عن طريق التجريب.
ثانيا: تعاريف العلم:
إن كلمة علم (Science) تعني لغة إدراك الشيء بحقيقته وهو اليقين والمعرفة. والعلم اصطلاحا هو نوع من المعارف التي تتسم بالوحدة والتكامل والنسقية، أو هو المعرفة المصنفة التي تم الوصول إليها باتباع قواعد المنهج العلمي الصحيح مصاغة في قوانين عامة للظواهر الفردية المتفرقة.
وقد عرفه محمد شلبي في كتابه " منهجية التحليل السياسي، على أنه: "المعرفة المنسقة التي تنشأ من الملاحظة والدراسة والتجريب، والتي تتم بهدف تحديد طبيعة الظواهر وأصولها".
كما عرفه الأستاذ عمار بوحوش بأنه: " ذلك الفرع من الدراسة الذي يتعلق بكيان مترابط من الحقائق الثابتة المصنفة، والتي تحكمها قوانين عامة، تحتوي على طرق ومناهج موثوق بها، لاكتشاف الحقائق الجديدة في نطاق هذه الدراسة".
ويرى "توماس كوهن" أن: " العلم هو الوصول إلى القوانين العامة التي تقيّم الروابط بين الحقائق بإتباع الطريقة العلمية".
ونستنتج من كل التعاريف المتعلقة بمفهوم العلم أنه يعمل على الكشف عن الظواهر التي تهمنا عن طريق التساؤل والشك، لإدراك العلاقات والمتغيرات التي تتحكم فيه وهذا ما يتطلب مناهج خاصة.
ثالثا: خصائص العلم:
يهدف العلم إلى البحث عن العلاقات بين الظواهر الطبيعية معتمدا على المعرفة المصنفة للتوصل إلى النتائج المدعومة بالحقائق، ولهذا فان الأسلوب العلمي يتميز عن بقية الأساليب الفكرية بما يلي:
1- الموضوعية: تعرف الموضوعية بأنها غياب ذات الباحث، أيّ القدرة على تقبُّل الحقائق كما هي، وليس كما يرغب الباحث أن تكون، كما يجب على الباحث أن يحترس من مُعتقداته ورغباته وثقافته وأيّة أفكارٍ أو استنتاجاتٍ مُسبقَة أو خيالاته وتصوّراته.
2- الواقعية: ومعنى ذلك أن المعرفة العلمية تقوم على استقراء الظواهر والخبرات التي نعيشها ولا نكتفي بمجرد التأمل والنظر، وهوما يؤدي إلى اعتماد الملاحظة الحسية كمصدر وحيد للحقائق.
3- التحقق: تستند المعرفة العلمية على أدلِّة يمكن التّحقق منها، بحيث يمكن للمُدققين ملاحظة الظّواهر والتأكَّد منها
4- الحياد الأخلاقي: لا يعني عدم وجود القيم، ولكن ألا يسمح لقيمه بتشويه إجراء بحثه العلمي، ويتمّ تحديد كيفية استخدام هذه المعرفة من خلال القيم المُجتمعية
5- الاستكشاف المنهجي: إن الغرض من استعمال العلم هو الوصول إلى الحقيقة المنشودة، وهذا يتطلب استخدام الطريقة الصحيحة والهادفة، وإلا فقدت الدراسة قيمتها العلمية وجدواها.
حيث يختار الباحث خاصية الاستكشاف المنهجي لخطِّة مُحددة للبحث عن مجموعة بيانات وتحليل الحقائق حول المُشكلة، وتتضمَّن هذه الخطة اتّباع خطوات البحث العلمي من صياغة الفرضية وجمع البيانات والتّحقق منها.
6- الانفتاح العلمي: إن الباحث المتمسك بالروح العلمية والمتطلع لمعرفة الحقيقة، يحرص دائما على عدم إظهار التزمت أو التشبث برأيه، بحيث يكون ذهنه متفتحا على كل تغير في النتائج.
ينبغي وجود البراهين التي تثبت صحة النظريات والافتراضات الأولية، إذ لابد من الاعتماد على أدلة كافية قبل إصدار أي حكم أو التحدث عن أية النتيجة.
إلى غير ذلك من الخصائص والمميزات منها: نسبية الحقائق العلمية، الاعتقاد بمبدأ الحتمية أو السببية العامة، والعمومية.
رابعا: أهداف العلم
إن الهدف الأساسي للعلم هو:
1- التوصل إلى النظرية: والنظرية هي بنيان من المفاهيم المترابطة والتعريفات والمقولات، التي تقدم نظرة نظامية إلى الحوادث بواسطة تحديد العلاقات بين المتحولات بهدف تفسير الحوادث والتنبؤ عنها.
2- التنؤ: ومعناه انطباق المبادئ أو القواعد العامة التي يوصل إليها البحث العلمي، على حالات أخرى في أوضاع مختلفة عن تلك التي سبق استقراؤها منها، والتنبؤ بهذه الصورة يساعد على تحقيق المزيد من الفهم والقدر الأكبر من التفسير وتحصيل الجديد من العلم، لأنه خطوة هامة في إكمال عملية البحث العلمي.
3- التحكم: الذي يعني معالجة الأوضاع والظروف التي ظهر يقينا أنها تحدث الظاهرة بشكل يتيح تحقيق هدف معين، والقدرة على التحكم تزداد كلما زاد الفهم وازدادت بالتالي القدرة على التنبؤ.
4- الوصف: " تمثيل مفصل وصادق لموضوع أو ظاهرة ما".
وهو إنتاج جرد أكثر صدق ما أمكن حول خصائص الموضوع أو الظاهرة المطروحة للدراسة.
5- التصنيف: " تجميع أشياء أو ظواهر انطلاقا من مقياس واحد أو عدة مقاييس" .
ويقوم العلم فيها باختصار واختزال في بعض الفئات من العناصر وذلك بتجميعها حسب بعض المقاييس ومدى ملاءمتها، ذلك لأن بعض هذه المواضيع والظواهر تتميز بالتقارب أو التشابه إذا ما قيس بمواضيع وظواهر أخرى.
6- التفسير: ويعتبر القلب النابض للمسعى العلمي، وهو تلك العلاقة التي تجعل إحدى الظواهر سببا في وجود ظاهرة أخرى أو عاملا رئيسيا في ظهورها.
7- الفهم: اكتشاف طبيعة ظاهرة إنسانية مع أخذ بعين الاعتبار المعاني المعطاة من طرف الأشخاص المبحوثين، وبأخذ بعين الاعتبار الواقع المعيش للأشخاص موضوع البحث كما يعبر عنه هؤلاء.
خامسا: خصائص التفكير العلمي:
1- التخلي عن المعلومات السابقة:
أي أن يقف الباحث من موضوع بحثه موقف الجاهل، أو أن يتجاهل كل ما يعرفه عنه، حتى لا يتأثر أثناء بحثه بمعلومات سابقة، يحتمل أن تكون خاطئة، فتقوده إلى الظلال ولا يعني هذا أن الباحث لا يستطيع أن يبدأ بحثه دون أن تكون لديه خطة للبحث.
2- الملاحظة الحسية كمصدر وحيد للحقائق:
ويراد بالملاحظة توحيد الذهن والحواس إلى ظاهرة حسية ابتغاء الكشف عن خصائصها لكسب معرفة جديدة، أن التجربة فهي الملاحظة مستثارة، فيتدخل الباحث في سيرها حتى يلاحظها في ظروف هيأها وأعدها بإرادته لتحقيق أغراضه، وقد لا تتيسر التجربة في بعض العلوم الطبيعية كالفلك، كما أن الحواس قد تقتصر عن إدراك بعض الظواهر إدراكا مباشرا.
3- اعتماد التفكير العلمي على القياس الكمي:
نقل التقدم العلمي الحديث مركز الاهتمام من الملاحظة الحسية إلى تحويل الكتيبات إلى كميات، والتعبير عن وقائع الحس بأرقام عددية، وأصبحت الظواهر المشاهدة تترجم إلى رسوم بيانية وجداول إحصائية (مثال نبضات القلب)، وتمشيا مع هذه النزعة اخترعت آلات وأجهزة، تحول الكيفيات إلى كميات عددية تتميز بالدقة والضبط.
4- نزاهة الباحث:
يراد بها إقصاء الذات، أي تجرد الباحث عن أهوائه والميول والرغبات، وإبعاد المصالح الذاتية، حتى يتسنى للباحث أن يفحص موضوعه في أمانة ومن غير تحيز، ويستلزم ذلك طاقة أخلاقية وروحا نقدية. وتحرراً من أية سلطة يمكن أن تملي عليه رأيا، بهذا يتوخى الحق ويخلص في طلبه، ويستبعد التعصب، ويتفانى في تحري الحقائق وتمحيصها وفاءا بحق الأمانة العلمية.
5- الموضوعية:
بمعنى أن يحرص العالم على معرفة الوقائع كما هي في الواقع، وليس كما تبدو في تمنياته، ويقتضي هذا إقصاء الخبرة الذاتية.
6/ الاعتقاد بمبدأ الحتمية:
أي القول بان لكل ظاهرة علة توجب وقوعها، ولكل علة معلول ينشأ عنها، فالظواهر يتحتم وقوعها إذا توفرت أسبابها، ويستحيل أن تقع مع غياب هذه الأسباب، وهذه الاستحالة هي ما يسمى بالضرورة.
7- الثقافة الواسعة للعلماء:
لقد شهد القرن العشرين تحولا فجائيا أدى إلى نوع من التقارب بين العلم التجريبي وغيره من فروع المعرفة البشرية، وهذا ما يبرز مدى أهمية الثقافة في التفكير العلم
المحاضرة الثالثة: بين المنهج والاقتراب
أولا: مفهوم المنهج (Méthode)
يستخدم مفهوم المنهج بدلالات متعددة ويختلط بمفهوم المنهجية، إلا أن كلمة منهج (Method) تعني في لغة الإغريق السير وراء الشيء، بمعنى المتابعة والملاحقة. وقد بدأ استعمال هذا المفهوم بمعناه الاصطلاحي خلال القرن 16م مع بداية الثورة العلمية في العلوم الطبيعية، ومن ثم ربط مفهوم العلم بالمنهج، واستخدمت صيغة المنهج العلمي تمييزا لطبيعة هذا العلم، عن المناهج التقليدية،التي لم تكن تتبنى التجريب والتعبير الكمي، وانطلاقا من رؤية تدمج بين مفهومي العلم والمنهج، فترى أن العلم يعرف بمنهجه وليس بمحتواه.
فالمنهج هو أحد مكونات العلم وليس مرادفا له. فهو يعبر عن كل الإجراءات وطرق الوصول إلى المعرفة التي تتضمن خطوات الإجابة على أسئلة البحث واختبار فرضياته. وتحت تأثير التوجهات الأمبريقية أصبح مفهوم المنهج يعبر عن الأدوات المباشرة للبحث كالاستبيان، المقابلة، المسح الاجتماعي والملاحظة، ...إلخ. وقد اثيرت مسألة التمييز بين المنهج والمنهجية،وأصبح مفهوم المنهجية يركز على البناء المنطقي والإجراءات والوسائل العلمية في البحث، بحيث لا توجد منهجية بدون تفكير حول طبيعة التفكير.
وتعؤف المنهجية بأنها: "مجموع المناهج والتقنيات التي توجه إعداد البحث وترشد الطريقة العلمية"، (وهي اشمل من المنهج).وتقوم المنهجية بعمليات ثلاث أولها فهم أبعاد الظواهر الواقعية، وثانيها لا يمكن دراسة الظواهر الاجتماعية بصورة مباشرة، ولكن تتم دراستها من خلال الرموز، سواء تمثلت في اللغة أوفي الأرقام، فجميعها تعبيرات رمزية عن حقائق واقعية. ومن ثم فإن المنهج يقوم بتحديد وضبط العلاقات المنطقية بين الرموز، التي يعبر بها عن الواقع، والواقع الذي تعكسه الرموز، وثالثها تحديد العلاقات بين الرموز المستخدمة في التفكير والاحداث الاجتماعية ومدى ارتباطها.
ثانيا:المدخل أو الاقتراب (APPROACH):
« يشير الاقتراب إلى المعايير التي تنتقي خلالهما الأسئلة والبيانات الملائمة »
كما يمكن تعريفه: " مدخل يستخدم للإشارة إلى المعايير المستخدمة في انتقاء الأسئلة التي تطرح والضوابط التي تحكم اختيار موضوعات ومعلومات معينة أو استبعادها من نطاق البحث ".
ويمكن الاستعانة بمدخل واحد أو أكثر في مجال الدراسات الاجتماعية والسياسية. كما يمكن أن يرتبط المدخل بالفروض التفسيرية والنظريات السببية مع تصنيفها في مجموعات بسبب كثرتها، وفقا للاعتبارات البيئية أو الإيديولوجية.
ويستخدم الاقتراب كإطار لتحليل الظواهر السياسية والاجتماعية ودراستها.
- يساعد الباحثين والمحللين على تحديد الموضوعات الأكثر الأهمية وإيضاح جوانبها الأساسية.
- يعين على كيفية معالجة المواضيع.
- يؤثر في اختيارنا للمناهج والوسائل المستخدمة في الدراسة.
- يمكن اعتباره بمثابة اتجاه أو ميل الباحث إلى اختيار إطار مفاهيمي معين.
- يهتم بدراسة مجموعة محددة من الفرضيات من اجل الوصول إلى صياغة نظرية معينة.
- يحدد نوع المفاهيم والاستفسارات والطرق التي يستعملها الباحث في دراسته.
والاقترابات فيها العام يتناول عددا كبيرا من الظواهر( مثل الاقتراب السلوكي، والبنائي الوظيفي، تحليل النظم.......).
وهناك اقترابات خاصة تتعلق بظواهر خاصة مثل ظاهرة القوة، حيث يمكن تناولها عبر ثلاثة اقترابات وهي اقتراب المناصب، واقتراب السمعة، واقتراب صنع القرار.
المحاضرة الرابعة: النموذج النظري والنموذج المعرفي
أولا: النموذج النظري (MODEL):
هو: " عبارة عن صورة نظرية ومبسطة لما هو موجود في عالم الواقع، أي انّه: عبارة عن بناء مشابه للواقع ". تعرفه موسوعة العلوم السياسية بأنه: "بناء نظري نحاكي من خلاله بنية وتركيبة منظومة ما. وكذلك آلية تفاعلات مكوناتها وكذا الظروف المحيطة بها... وتتنوع النماذج بتنوع الحياة الانسانية في أبعادها المختلفة، ولكن هذه النماذج لا تمثل صورة المنظومة فقط، بل آليتها عبر الزمان والمكان، وهو ما يعني أن مساحة النموذج النظري تضيق وتتسع طبقا لبساطة أو تعقيد بنية وآلية النظام الذي نحاكيه...".
ويعرفه عبد الوهاب المسيري بقوله: "النموذج هو صورة عقلية (ذهنية) مجردة ونمط تصوري وتمثيل رمزي للحقيقة. وهو نتيجة عملية تجريد، إذ يقوم العقل بجمع بعض السمات من الواقع فيستبعد بعضها ويبقى البعض الآخر، ثم يقوم بترتيبها حسب أهميتها ويركبها بل أحيانا يضخمها بطريقة تجعل العلاقات بينها تشاكل كل ما يتصوره العلاقات الجوهرية في الواقع".
"أو هو بناء يماثل الواقع لكنه افتراضي أو متخيل، ومع هذا تشبه العلاقات بين عناصره العلاقات الجوهرية الموجودة بين عناصر الواقع".
تتمثل أهمية النماذج النظرية كأدوات تفسيرية في قدرتها على تفسير الظواهر والعلاقات المتشابكة بين المتغيرات. وبناء على ذلك، فإن النماذج كأدوات ذهنية للتحليل السياسي ينحصر دورها في مجال السياسة في كونها أدوات يسترشد بها الباحث في فهم وتفسير الواقع دون أن يتجاوز ذلك مستوى التوقع والتنبؤ نظرا لطبيعة الواقع المعقد.
ومن هنا تبقى النماذج وحدها غير كافية للاجابة على جميع التساؤلات أو تناول جميع العناصر والمتغيرات، فهي تظل أدوات اجتهادية وتعكس إلى حد كبير رؤية منظريها وخلفية تجاربهم التي تظل قاصرة عن الإحاطة بكل شيء.
وهو: « أداة التمثيل للواقع وإدراكه في بعض جوانبه الأكثر مغزى وأهمية، وهو مركب ذهني من مفاهيم معينة، يقوم على من العلاقات الارتكازية، وهذه العلاقة بنائية بمعنى أنها تعنى بالتغير في أن واحد لعناصر النموذج، بحيث أن التغير في احد هذه العناصر يجر تلقائيا التغيير في بقية العناصر بحكم الارتباط، دون أن يعني ذلك وجود علاقة سببية بين هذه العناصر، وغالبا ما يمكن التعبير عن هذه العلاقات بصورة رياضية، والنموذج كأداة للإدراك العلمي يجب أن يتسم بالوضوح المفاهيمي ».
ثانيا: النموذج المعرفي (Paradigm)
ظل مؤرخو العلم وحتى أوائل الستينيات من القرن الماضي، يعتمدون أطروحة متوارثة من عصر التنوير أن العلم يتقدم بشكل مستمر ومنتظم ومتصاعد، إلى أن قدم "توماس كوهين" مفهوم النموذج المعرفي كإطار لتفسير كيف يتقدم ويتطور العلم من خلال ثورات متتالية،وليس عبر خطية متصاعدة. ويعتبر توماس كوهين أول من أعطى لهذا المفهوم دلالة اصطلاحية تحوله من لفظ لغوي إلى مفهوم علمي وتخرجه من قاموس اللغة إلى دوائر فلسفة العلم والابستمولوجيا.
من الصعب جدا تقديم تعريف دقيق لمفهوم النموذج المعرفي أو البراديغم، خاصة وأن توماس كوهن نفسه الذي كان أول من أدخله في الأدبيات العلمية قد استخدمه بإثنتين وعشرين دلالة. وقد اعترف أن هذا المفهوم غامض جدا. ومع ذلك فقد عرفه كوهين بأنه: "مجموعة متآلفة منسجمة من المعتقدات والقيم والنظريات والقوانين والأدوات والتكتيكات والتطبيقات يشترك فيها أعضاء مجتمع علمي معين، وتمثل تقليدا بحثيا كبيرا أو طريقة في التفكير والممارسة، مرشدا أو دليلا يقود الباحثين في حقل معرفي ما". وقد اصطلح عليه أيضا بمفهوم النموذج الإرشادي أو التوجيهي في بعض الأدبيات والكتابات الأخرى.
فالنموذج المعرفي هو بمثابة المنظار الذي ينظر من خلاله إلى الأشياء والقضايا المختلفة، وهو إطار مرجعي لروية الواقع الاجتماعي. هذا المنظور المشحون بالقيم والافتراضات والتقنيات والمفاهيم هو الذي يجعلنا ننظر إلى الأشياء بتلك الطريقة.
النماذج المعرفية لا تثبت على حالة واحدة، ولكن يعتريها التغير عند فشل نظرياتها في الإجابة عن الأسئلة المطروحة، فتظهر نماذج جديدة. ومن ناحية ثانية، لا يوجد مطلقا نموذج معرفي يستطيع أن يفسر كل الحقائق المتاحة، أو أن يتعامل مع كل المعلومات والعوامل المؤثرة، الأمر الذي يفرض التحديد والاختزال والاختيار. كذلك فإنه يستحيل من حيث المبدأ ممارسة العلم بدون قدر معين من المعتقدات الأولية والافتراضات الميتافيزيقية الأساسية، مما يستلزم التأكيد على الطبيعة النسبية لأي نموذج معرفي بغض النظر عن تطوره وقدرته الإقناعية.
المحاضرة الخامسة: ماهية النظرية
يعرف مفهوم النظرية ابستمولوجيا بمعنى رؤية (Vision)، وقد حافظ هذا المصطلح على جذوره على عكس مفهوم العلم. ونظرا لهذا الاستقرار والاستمرار النسبي في معنى النظرية اعتبرها كثير من علماء الاجتماع والانسان كمفهوم بديهي ليس في حاجة إلى تعريف، إذ تلتقي معظم التعريفات على أن النظرية: "نسق من المقولات المترابطة منطقيا، وشبكة من التعميمات الاستدلالية من خلالها يمكن اشتقاق تفسيرات أو تنبؤات عن أنماط معينة من الأحداث المعروفة جيدا". أو هي: "مجموعة الافتراضات المجردة والعلاقات المنطقية التي تحاول شرح وتفسير كيفية حدوث ظاهرة معينة".
وفي هذا المعنى يقول "مونت بالمر" (Monte Palmer): "إذا كان الفرض إقرارا غير محقق بوجود علاقة بين متغيرين أو أكثر، فإن النظرية هي إقرار بوجود علاقة بين متغيرات محققة أمبريقيا". وفي اللحظة التي تكون فيها النظرية قابلة للاختبار الأمبريقي يمكن عندئذ الاستنباط منها إفتراضات عدة. وإذا كان المنهج يحدد متغيرات معينة ويحاول الاقتراب إلى الظواهر من خلالها دون أن يقيم علاقات بين تلك المتغيرات، فإن النظرية، على العكس من ذلك، تحدد تلك المتغيرات وتحدد العلاقة بينهما، وتوضح أيهما متغيرا مستقلا وأيهما تابعا.
تكتسي النظرية أهمية كلما كانت قابلة للتطبيق وتميزت بالوضوح والبساطة. وتزداد النظرية شهرة كلما اتسمت بالشمول والقدرة على استيعاب ظواهر متعددة وفهمها وتفسيرها. والنظرية ليست أيديولوجية ثابتة بل هي أداة تتطور ويصقلها الاستخدام المستمر والاختبار الدائم لفرضياتها وهي تقوم بوظيفة الكشف والتفسير.
ويمكن تلخيص خصائص ومميزات النظرية فيما يلي:
– تقر بوجود علاقة بين متغيرات.
- قابلة للاختيار الأمبريقي.
- احد الوسائط المعرفية التي يستخدمها الباحث قصد الفهم والتفسير والتوقع
- تزداد شهرة كلما اتسمت بالشمول والقدرة على استيعاب ظواهر متعددة وفهمها وتفسيرها.
- تقوم بعملية الكشف والتفسير
- توجه البحث نحو مجالات مثمرة.
- تضفي على نتائج البحث دلالة ومغزى.
- تمكن الباحث من القدرة على فهم والربط بين معطيات التي يتوصل إليها.
المحاضرة السادسة: المتغيرات، المقاييس والمؤشرات
أولا: المتغيرات (Variable)
يقصد بالمتغير في العلوم الاجتماعية والانسانية ذلك المفهوم أو تلك الخاصية التي تحمل قيما مختلفة يسعى الباحث إلى دراستها. فهو إذن خاصية تتغير وتتحول بفعل تأثير شرط أو شروط معينة تعمد الباحث إدخالها وتجريبها، ولذلك سميت بالمتغير لأنها غير ثابتة.
ويمكن تعريفها: " هي خاصية تجريبية تتخذ قيمتين أو أكثر، فإذا كانت هذه الخاصية قابلة للتغير كما أو نوعاً من هنا ننظر إليها كمتغير".
فحينما نتمكن من نقل المفاهيم من عالم التجريد إلى عالم الملاحظة أو التجريب يتحول المفهوم إلى متغير يمكن مشاهدته أو قياسه.
فالمتغيرات: - تستخدم عادة لوصف بعض الأشياء القابلة للتغير أو الأشياء القابلة للقياس.
- والمتغير يأخذ قيما صغيرة أو كبيرة.
غالبا ما تبنى الأبحاث والدراسات الأكاديمية على نوعين من المتغيرات على أساس علاقة سببية بين متغير مستقل ومتغير تابع، غير أن هناك من الباحثين من يميل إلى تفصيل أكثر في هذه المتغيرات، فيضيف إلى النوعين السابقين متغيرات أخرى منها: المتغير الوسيط، المتغير الدخيل، المتغير الضابط، المتغير الكامن، ...إلخ. إلا أننا سنقتصر في هذه المحاضرة على الأنواع الثلاثة المعروفة والمستعملة
بكثرة وهي:
أ- متغير أصيل أو مستقل: هو المتغير الذي تقول فيه النظريات المعيارية أن له قدرة كبيرة على تفسير المتغيرات الأخرى باعتباره العنصر المؤثر في الظاهرة محل البحث والدراسة. ففي المنهج التجريبي يعتبر المتغير المستقل هو ذلك العنصر الذي نتداوله ونستخدمه لقياس التأثير في المتغير التابع ويطلق عليه أحيانا المتغير المسبب أو السابق، النشط أو التجريبي. وهو المتغير الذي يؤدي التغير في قيمته إلى التأثير في قيم متغيرات أخرى لها علاقات به.
ب- متغير تابع (المتغير التفسيري): وهو الذي تتوقف قيمته على قيم متغيرات أخرى.
وسمي متغيرا تابعا تابع للمتغير المستقل أو نتيجة له، وهو المتغير الذي نريد تفسيره عبر التعبير المباشر عن المشكلة البحثية.
ج- متغير وسيط: وهو الذي يتوسط العلاقة بين المتغيرين: الأصيل والتابع.
وهو متغير ضروري لتفسير علاقة مركبة أو غير مباشرة بين متغيرين إثنين، أو ما يسمى بسلسلة السببية، أي أن الانتقال من المتغير المستقل إلى المتغير التابع لا يتم مباشرة بل يتطلب ذلك تدخل عامل آخر هو المتغير الوسيط. وتؤثر قيمة المتغير الوسيط في القوة والعلاقة بين المتغيرين، المستقل والتابع واتجاهها.
ثانيا: المقاييس والمؤشرات:
« القياس يعني بصفة عامة تحديد خصائص الشيء المراد قياسه وتقديرها، وحتى يمكننا أن نقوم بالقياس لابد أن يكون الشيء المراد قياسه قابلا للملاحظة والقياس، وتكون هناك وسيلة محددة لقياسه، وحيث أن المفاهيم السياسية والاجتماعية مفاهيم عامة غير محددة تحديدا دقيقا، لذلك، فان أولى خطوة في هذا الطريق هو تحديدها بطريقة تجعلها ممكنة الملاحظة وخاضعة للقياس أي: تحويل المفاهيم إلى متغيرات ومؤشرات ».
بمعنى ان المقياس هو تناسق مجموعة من المؤشرات فمثلا: يتم تحديد مقياس الممارسة الديمقراطية من خلال المؤشرات التالية:
- الفصل بين السلطات
- استقلال العدالة
- عدد الأحزاب السياسية وعلاقتها بالسلطة
- عدد الصحف المستقلة
- حرية التعبير والرأي
- منظمات المجتمع المدني
-دورية الانتخابات ونزاهتمها
أما المؤشر فهو العنصر الدال على قيمة معينة. فعدد الصحف المستقلة يعد مؤشرا من مؤشرات مقياس حرية التعبير مثلا.
فعملية القياس إذن مهمة للبحث العلمي، ذلك أنها تقيم الجسور والعلاقات بين الافتراضات النظرية والواقع الأمبريقي الذي نستهدف فهمه وتفسيره. غير أن التعامل مع المقاييس والمؤشرات يحتاج إلى مزيد من الحيطة والحذر خاصة في ميدان الدراسات الاجتماعية والسياسية.
المحاضرة السابعة: وحدات ومستويات التحليل:
أولا: وحدات التحليل
وحدة التحليل يقصد بها الفاعل السياسي في الظاهرة محل الدراسة، يختارها الباحث كركيزة لمجموع البحث الذي يتولى دراسته من البداية إلى النهاية، والإشكالية التي يهدف إلى تحليلها ومعالجتها.
والباحث إذ يفترض علاقة بين متغيرين أو أكثر، فإنه أيضا ينبغي أن يحدد الفاعل السياسي الرئيسي الذي يعتقد أنه يملك القوة والقدرة على التأثير في الظاهرة السياسية. هذا الفاعل يسمى وحدة التحليل والتي ينبغي أن تختار بعناية.
إن وحدة التحليل قد تكون الفرد، أو المؤسسة، أو الحكومة أو الدولة أو اتجاها أو نمطا سلوكيا معينا. فالفرد قد يكون هو وحدة التحليل لدراسة عملية التصويت في البرلمان مثلا، وقد يختار الباحث الدولة كوحدة تحليل لدراسة العلاقات الدولية. وقد يختار الجماعة لدراسة الصراع داخل الأحزاب السياسية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن "آرثر بنتلي" (Arthur Bently) الأمريكي قد انتهى في هذا الصدد إلى أن الجماعة (Group) هي وحدة التحليل الأساسية لعالم السياسة الوطني، وذلك بعد أن كانت وحدة التحليل المستخدمة في الدراسات السياسية في فترة هيمنة النزعة الدولاتية هي الدولة.
وباعتبار أن كل جماعة رسمية أو غير رسمية لها مصلحة في إطار عالم السياسة الوطني هي وحدة التحليل لذلك العالم.
وفي مجال السياسة الدولية، فإن الجماعة الدولية (أو المجتمع الدولي بعبارة أخرى) تقوم على جماعات وطنية (وحدات دولية)، وكل جماعة وطنية ( دولة) هي قوة في مواجهة الجماعات الوطنية الأخرى. وهذه الجماعة الوطنية والتي تسمى لدى فقهاء التنظيم الدولي بالدولة، هي وحدة التحليل المستخدمة في تحليل السياسة الدولية.
فإذا كانت الفرضية ترى أن البلدان القوية والمتقدمة هي من تصنع قواعد القانون الدولي، فإن الدول هنا هي وحدة التحليل الأساسية والتي تمتلك خصائص القوة والتقدم كمتغير مستقل، وصناعة القانون الدولي كمتغير تابع.
فالفرضية البحثية تشير بداية إلى وحدة التحليل التي يختارها الباحث، كما يشير إلى السلوك والخصائص التي يمكن قياسها في تلك الوحدة. وإذا اختار الباحث وحدة للتحليل فعليه أن يلتزمها في مسار بحثه كله.
وانطلاقا مما سبق،فإن وحدة التحليل الأساسية لدى المعنيين بالنظرية السياسية في تحليلهم لعالم السياسة الوطني أو الدولي على السواء تتمثل في الجماعة كوحدة للتحليل السياسي إلى جانب القوة كمفهوم أساس والذي يمثل صلب وحدة التحليل هذه وإحدى مؤشراتها. ومن هنا يمكن القول أن عالم السياسة الوطني أو عالم السياسة الدولي هو عالم تعدد الجماعات.
ثانيا:مستويات التحليل
يعتمد تحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية المختلفة على متغيرات يسعى الباحث لإيجاد العلاقات السببية التي تربط بينها. وذلك بقياس طبيعة ومستوى التغير الذي يحدث في المتغير التابع لدى حدوث تغير في المتغير المستقل. وقد دأب باحثو العلوم السياسية على انتقاء المتغيرات التحليلية من ضمن مستويات التحليل الثلاثة التالية: مستوى التحليل الفردي، مستوى التحليل الوطني، ومستوى التحليل الدولي.
وبحسب الباحث الأمريكي "كينيث والتز"،فإن الباحثين يوظفون متغيرات في المستويات الثلاثة إلا أنهم، ولضرورات منهجية، يميلون للتركيز على أحد هذه المستويات دون الأخرى.
لقد ساهم "والتز" في صقل مفهوم مستوى التحليل من خلال عمله الصادر عام 1959م بعنوان: "الإنسان، الدولة والحرب"، ففيه استعرض ماأسماه الصور الثلاثة التي ترد ضمنها معظم التحاليل عن السياسة الدولية. وقد تم التحول من مصطلح الصور إلى مصطلح مستويات التحليل لدى "دافيد سينغر" (David Singer) في كتاب صدر له عام 1961م بعنوان: "النظام الدولي" حرره "سيدني فيربا" (Sidney Verba) و"كلاوز كنور" (Klaus Knorr). وقد أشار "دافيد سينغر" في الفصل الأول الذي كتبه إلى أن أغلبية المقاربات النظرية في العلاقات الدولية تندرج إما في المستوى النظمي (ويقصد به النظام الدولي) أو ما يعبر عنه باسم البيئة الدولية الخارجية للنظام، أو المستوى تحت النظمي (ويقصد به النظام الوطني) أو مايسمى بالبيئة الداخلية للنظام
المحاضرة الثامنة: المفاهيم والتعاريف
أولا: المفاهيم:
تعريف المفهوم:
لفظ، رمز، أو صفة به يمكن تحليل ظاهرة معينة، فتعبر عن أفكار تجمعها خصائص مشتركة، وهو مصبوغ بالنظرية فهي تبنى على أساسه .
- المفهوم تصور لظاهرة معينة دون تجسيدها بحد ذاتها.
شروط تحديد المفهوم:
1- تحديد أبعاده.
2- وصف شامل ودقيق لمعاني مضمونة.
3- الابتعاد عن الانطباعات الشخصية أو الدراسات الحسية للباحث.
4- تجنب استعمال العبارات العامة.
5- الاستعانة ببعض المفاهيم العلمية التي تناولت نفس الموضوع فيما سبق.
6- عدم الاقتصار على توضيح التفسير، بل استعاده إلى المساعدة للباحث في بحثه وتقريبه من الموضعية.
وظائف المفهوم:
- توجيه الباحث من خلال تحديد المفاهيم للمنظور أو النظريات واعتبارها نقطة انطلاق، حيث يسهل إدراك العلاقات بين الظواهر.
- تحديد العمليات والإجراءات الضرورية للملاحظات تلك الفئات، والمتغيرات التي يمكن أن تمدنا بمعلومات لموضوع الدراسة.
- المساعدة على توضيح كيفية إجراء الملاحظات، وذلك بما ينطوي عليه المفهوم من خصائص تساعد الباحث لتحقيق أهدافه.
- السماح بإجراء استنتاجات علمية عن طريق استخدام قوانين المنطق.
أنواع المفاهيم:
1/ الاتجاه الواقعي: يستند إلى البعد الإجرائي.
2/ الاتجاه التصوري: يقوم على اطر عامة ترتكز على رؤى نظرية متباينة في غالبيتها.
هناك مفاهيم لأشياء تحقق في الواقع.
هناك مفاهيم لأشياء ملموسة.
هناك مفاهيم لأشياء تربط بينهما (الواقع والملموس).
- العلاقة بين المفاهيم و التعريفات
المفهوم: تعبير موجز وسطحي لظاهرة ما.
ثانيا: التعريفات:
التعريف يناظر المفهوم لأنه يتميز بخاصة الشرح لظاهرة ما.
بينهما أصل مشترك هو المتغير الواقعي الذي يشكل إطارا مرجعيا لكلاهما كذلك النسبية.
أنواع التعريفات:
تعريف اسمي: يستخدم كلمة أو جملة عوضا عن أخرى، ويأخذ المفهوم هنا معنى تحكمي، أعطي له وهو لا يضيف شيئا إلى معارفنا، لكنه يساعدنا منهجياً لتنمية معارفنا، وهو عبارة عن شرح المعنى، وتشير إليه ويكون مصدره شخص ما أطلقه على مفهوم معني بشكل تحكيمي، لكنه يجب أن يحظى باتفاق العلماء.
تعريف حقيقي: تعريف إجرائي خاص لا يأخذ صفة الاتفاق، يصف الظواهر الواقعة القابلة للملاحظة الامبريقية.
تعريف إجرائي: ويعرف الظواهر بما تتضمنه من عمليات، أو بما يستخدم في رصد الظواهر، وقياسها وتسجيلها، فهو انتقال من المفاهيم التصورية المجردة إلى تطبيقها على الواقع العملي.
المحاضرة التاسعة: الاستقراء والاستنباط
يسعى الإنسان لاكتساب المعارف والعلوم التي تمكنه من استكشاف نفسه واستكشاف الطبيعة من حوله بهدف الاستفادة منها، ولا شك أن العلوم تختلف عن بعضها من حيث طبيعتها؛ فطبيعة الرياضيات تختلف عن طبيعة الطب، وكلاهما يختلف عن المنطق أو الفلسفة، وطالما أن طبائع العلوم مختلفة.. فطرق الوصول إلى الحقيقة تختلف أيضا باختلاف العلوم، وأشهر طرائق الكشف عن حقائق العلوم هما: الاستقراء والاستنباط، وكثيرا ما يقع الخلط عند الطلبة والباحثين بين معنى الاستقراء والاستنباط، ولا شك أن ثمة تباينا بين المنهجين، فالاستقراء، وهو المنهج الغالب على العلوم الطبيعية، فيعتمد أساسا على الملاحظة بالحواس حيث ينتقل من ملاحظة الظواهر الطبيعية الملموسة إلى اكتشاف القوانين الطبيعية التي تحكم تلك الظواهر، ثم محاولة تعميمها على الحالات والظواهر المشابهة. أما الاستنباط، وهو المنهج الغالب على الرياضيات والمنطق، يعتبر عملية ذهنية بحتة تتم عبر الانتقال من مقدمات عامة ، إلى نتائج صحيحة تترتب على تلك المقدمات، وهذا الفرق بين الاستقراء والاستنباط هو الفارق الأهم والذي تترتب عليه باقي الفروق.
أولا: الاستقراء
الاستقراء لغة مشتق من الفعل قرأ الأمر أي تتبعه، ونظر في حاله. وقرأ الشيء بمعنى جمعه وضم بعضه إلى بعض. وقد عرف الاستقراء بأنه عملية استدلال صاعد يرتقي الباحث فيه من الحالات الجزئية البسيطة إلى القواعد الكلية العامة. ويتميز الاستقراء بأن نتائجه تكون عادة أعم من مقدماته، ومن الممكن أن يستفيد الاستقراء من الملاحظة والتجربة وتقنيات البحث الأخرى.
تعريف المنهج الاستقرائي: هو طريقة من طرائق التفكير التي تحكم فكر الباحث أثناء بحثه عن الحقيقة في فرع معين من فروع المعرفة، وتقوم على الانتقال من الوقائع والجزئيات إلى القوانين العامة والكليات؛ فالاستقراء هو كلّ استدلال تكبُر فيه النهايات عن المقدمات التي نشأت عنها. ومثال المنهج الاستقرائي: الماء والكحول والزيت يأخذون شكل الإناء الذي يوضع فيه، وهذه المواد هي سوائل، وبالتالي كلّ سائل يأخذ شكلَ الإناء الذي يوضع فيه، أيّ شملت النتيجة كلّ السوائل وبذلك كانت أكبر من المقدمات التي تضمنت عدداً محدوداً من السوائل. ويعد المنهج الاستقرائي مزيجاً بين المثالية والواقعية، لكونه يدرس الظاهرة في الواقع وكما يجب أن تكون.
خطوات تطبيق المنهج الاستقرائي
1- الملاحظات: تعد الملاحظة إحدى أهم وأبرز خطوات المنهج الاتسقرائي، والتي تمل مجموعة من المعلومات والبيانات والتي يقوم الباحث على جمعها وتحليلها وتلخيصها وتصنيفها.
2- الفرضيات: ومجموعة من الأفكار والاقتراحات التي يطرحها االباحث، ومن خلالها يجب أن يضع تفسير مناسب للموضوع محل البحث والاستقراء، بوضع عدد من الفرضيات المحتملة والممكنة، ثم يقوم بعقد مقارنات بين هذه الفرضيات من أجل الوصول إلى الفرضية المناسبة للبحث الذي يقوم به.
3- التجارب: هي أهم وأبرز خطوات تطبيق المنهج الاستقرائي، أين يعمد الباحث إلى إجراء هذه التجارب.
أنواع الاستقراء
الاستقراء التام: ومن خلاله يقوم الباحث بمراقبة جميع مفردات الظاهرة التي يقوم بدراستها، وبعد ذلك يصدر الحكم النهائي على هذه المفردات. ويعد هذا النوع من الاستقراء بطيئا لأنه يحتاج إلى وقت أطول لمراقبة الطاهرة وجزئياتها جميعا بدقة كبيرة وحرص شديد. ومن خلال هذا النوع من الاستقراء يتأكد الباحث من صحة النتيجة، ويقوم بتعميمها، ومن ثم يقوم ببناء قاعدة كلية ذات أساس علمي واضح وثابت.
الاستقراء الناقص: أو الاستقراء غير اليقيني، وهو انتقال الذهن من الحكم على الجزئيات إلى الحكم على الكليات، ومن خلال هذا النوع من الاستقراء يقوم الباحث بدراسة جزء من مفردات الظاهرة، بحيث يتناول هذا الجزء من كافة جوانبه فيحدد طبيعته، ويقوم بوضع الأمثلة عليه، وبعد أن يصل إلى النتيجة يقوم بتعميمها على كل مفردات الظاهرة. وعى الرغم من شيوع استخدامه إلا أنه لا يقدم معلومات كافية عن الظاهرة أو الموضوع محل الدراسة، والاستدلال به معرض للاختلال ولاحتمال سقوطه. وذلك لأن الباحث لا يقوم باستقراء كافة الجزئيات أنما يكتفي بالبعض منها والتي قد لا تكون ممثلة لعناصر الطاهرة تماما.
مميزات الاستقراء
1. يتيح منهج الاستقراء للباحث دراسة الظواهر بطريقة منهجية دقيقة تقوم على الحس والملاحظة والتجربة، وبالتالي يؤدي بالباحث إلى نتائج أقرب ما تكون إلى الصحة والدقة.
2. يعتبر المنهج الاستقرائي أكثر بعدا عن التأثر بآراء الباحث وميوله ومع ذلك فإنه لا يخلو عنها، وتعتبر هذه النقطة أساسية في الفرق بين الاستنباط والاستقراء.
3. إمكانية تعميم القوانين الكلية المستنبطة من اختبار الفرضيات.
ثانيا: الاستنباط
يعد مفهوم الاستنباط من بين المناهج الأساسية والأصلية التي أسهمت من خلال قواعدها في إرساء أسس ومبادئ البحث عن الحقائق العلمية وإثبات صحتها. وهو عملية ذهنية تدور كلها في العقل بمنأى عن الواقع. فالاستنباط ينطلق من قضايا عامة مجردة للوصول إلى قضايا خاصة أو فرعية باشتقاق القضايا العملية والاجرائية والتي تمهد للفروض القابلة للاختبار والتحقيق.
تعريف المنهج الاستنباطي:
هو طريقة من طرائق التفكير التي تحكم فكر الباحث أثناء بحثه عن الحقيقة في فرع معين من فروع المعرفة، أو هو سلسلة من العمليات الذهنية والإجراءات المنطقية التي تبدأ من العام متجهة إلى الخاص، والانتقال من فكرة عامة شائعة أومبدأ عام أو نظرية أو قانون عام لتصل لنتيجة جزئية أوخاصة.
ويعرف الاستنباط بأنه: "البرهان الذي يبدأ من قضايا عامة مسلم بها ، ويسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة دول اللجوء إلى التجربة. وهذا السير قد يكون بواسطة القول أو الحساب".
والاستدلال وإن كان ميدانه الأصلي علو الرياضيات، فإن تطبيقاته لا تقتصر على هذا العلم فحسب، بل تشمل سائر العلوم الأخرى. فالقاضي
مثلا يعتمد على الاستدلال في البحث عن الحل القانوني للقضايا اعتمادا على ما لديه من نصوص، وفي الرياضيات يستدل أستاذ الرياضيات عن مسائل جزئية تخص موضوعات واقعية أو عملية انطلاقا من نظريات أو قوانين عامة.
خطوات تطبيق المنهج الاستنباطي:
عند اتباع الباحث لمنهج الاستنباط.. ينبغي عليه اقتفاء الخطوات الآتية:
1. تعيين المقدمة أو المُسلَّمة العامة: حيث يقوم الباحث أولا بتحديد المسلمة التي تعرف باسم المقدمة العامة أو المحورية، ثم يقوم الباحث بطرح أمورًا حقيقية لا تشوبها أخطاء.
2. تحديد الجُزئيات: وفي هذه المرحلة من مراحل المنهج الاستنباطي يقوم الباحث بتحديد الجزئيات بناءً على القاعدة.
3. الفروض والنتائج: يقوم الباحث فيها بافتراض فروض أو أسئلة بحثية، ليتمكن من إثبات مدى جودتها أو صحتها.
الفرق بين الاستقراء والاستنباط
يعرف فلاسفة العلم الاستقراء بأنه: الانتقال من الجزء إلى الكل ومن الخاص إلى العام، أو تتبع الجزئيات للوصول إلى نتائج كلية، ويتم ذلك من خلال ملاحظة عدة حالات تتكرر فيها ظاهرة معينة، وبالتالي الخروج بقاعدة أو قانون كلي يحكم هذه الظاهرة. ومعلوم أن المنهج الاستقرائي هو المنهج المتبع في العلوم الطبيعية، ويقوم على الملاحظة والتجربة والتحكم بالعوامل والمتغيرات للوصول إلى الاستنتاجات النهائية، فيكون بهذا عكس المنهج الاستنباطي. ويقوم المنهج الاستقرائي على الملاحظة والوصف والتعريف والتصنيف، ثم البحث عن الروابط والعلائق بين الظواهر المتشابهة، ثم وضع الفرضيات التي يمكن من خلالها تفسير هذه الروابط، وأخيرا إجراء التجارب اختبارا لصحة هذه الفرضيات. ولكي تكون نتيجة الاستقراء صحيحة ودقيقة لا بد من توافر الدقة في الرصد والملاحظة، مع ضرورة توافر عدد كبير من الحالات المدروسة (العينة) تتناسب مع مجتمع الدراسة.
بينما الاستنباط عملية عقلية خالصة تتم عبر الانتقال من الكليات إلى الجزئيات أو من خلال تطبيق العام على الخاص. فالاستنباط يقوم على إسقاط القوانين العامة على المسائل الجزئية (كما في مسائل المنطق أو الفقه)، أو الانتقال من المعطيات إلى الاستنتاجات (كما في البرهان الرياضي). ولتحقيق صحة النتائج.. لا بد وأن تكون القوانين العامة أو القواعد الكلية، التي ينبني عليها الاستدلال الذهني، قواعد صحيحة في العقل أو مسلمات بديهية (كالمقولات ومثالها: "الكل أكبر من الجزء" فهذا من المعروف بداهة). فيكون المنهج الاستنباطي عبارة عن أسلوب من أساليب التفكير التي تحكم فكر الباحث أثناء بحثه عن الحقيقة في فرع معين من فروع المعرفة وتقوم بشكل رئيسي على العمليّات العقليّة التي تنطلق من القواعد العامة لتنتهي إلى المسائل الجزئية؛ فالاستنباط هو كلّ استدلال تكون النهايات فيه مساوية للمقدمات أو حتّى أصغر منها أيضاً، ومن الأمثلة الشهيرة على الاستنباط: "كلّ إنسانٍ فان، وسقراط إنسان، إذاً سقراط فانٍ). ويؤدي الاستنباط إلى الوصول إلى نتائج يقينيّة ومحققة فيما يخصّ الظاهرة محل الدراسة، وقد يسمى الاستنباط أيضاً بالقياس وعلى عكس الاستقراء، فإن الاستنباط يمثل تياراً فلسفيّاً مثاليّاً يدرس الظاهرة بصورتها المثاليّة، بمعنى كيفية وجودها في الذهن، وليس كما هي في الواقع.
يستخدم الاستقراء أساسا في البحوث العلمية في العلوم الطبيعية، كالفلك والفيزياء والكيمياء والطب والأحياء، كما أنه كثيرا ما يستخدم في التجارب المتعلقة بعلم النفس وعلم النفس الإكلينيكي بالإضافة إلى دراسة الظواهر الاجتماعية في علم الاجتماع والسياسة؛ فإن كل هذه العلوم لا بد أن تخضع للملاحظة والتجربة، لاستنتاج القوانين وتعميمها، إلا أن الدراسات العلمية في هذه العلوم لا تخضع فقط للمنهج الاستقرائي، فكثير من هذه العلوم يتم المزج فيها بين أكثر من منهج للوصول إلى النتائج الصحيحة.
أما الاستنباط فهو يعتبر المنهج الأساسي المستخدم في البحوث العلمية في مجالات العلوم الإنسانية مثل: الإبستمولوجيا والفلسفة والمنطق وفلسفة العلوم، وكذلك العلوم البحتة التجريدية مثل: الهندسة والجبر وحساب المثلثات، بالإضافة إلى العلوم الشرعية كالفقه وأصول الفقه والعقيدة والكلام وفي القانون والقضاء وغيرها، كما أن من الممكن للباحثين الاستفادة من المنهج الاستنباطي في العلوم الطبيعية والتطبيقية من خلال مزجه بالمناهج البحثية الأخرى استناداَ على قواعد معينة. ويعتمد المنهج الاستنباطي على عدد من الأدوات بغرض الوصول الصحيح إلى أقرب النتائج إلى الصحة، مثل: القياس العلمي الذي يد الأساس الذي يعتمد عليه الباحث في سيره وفق المنهج الاستنباطي.
مميزات الاستنباط:
يمكننا القول بأن الاستنباط هو أفضل الطرق الاستدلالية وأدقها في الوصول إلى المعلومات والحقائق، حيث تكون المعطيات (وهي المقدمات الأولية التي ينبني عليها الاستدلال) تكون في حيز الصحة التامة (فهي بديهيات مسلمة تشترك في إدراكها جيع العقول من غير نظر)، وأنها قابلة للتأكد من صحتها، ومن ثم فإن النتائج المبنية على معلومات صحيحة يقودنا في النهاية إلى صحة النتائج، خاصة أن المنهج الاستنباطي ينتقل بالباحث من العام إلى الخاص، فعند قبول جنس معين من العناصر بقانون ما، فإن هذا يدل على أن كافة عناصر هذا الجنس تخضع لذات القانون وهو ما لا يقبل الشك. وبالإضافة لذلك فإن من أهم مميزاته ما يلي:
1. التنسيق الذهني والتراتبية: حيث يتدرج الباحث من المقدمات إلى النتائج بطريقة منطقية استدلالية سلسة كما في القاعدة البديهية: 1+1=2.
2. الوصول إلى نتائج دقيقة ويقينية: وذلك لأنه يستند أساسا على بديهيات مسلمة ومستقرة في جميع العقول؛ إذ لا ينازع عاقل في "استحالة الجمع بين النقيضين"، أو "الكل أكبر من الجزء" أو "مبدأ السببية" وبالتالي فإن التدرج من هذه البديهيات إلى نتائج أخرى يجعل الباحث مطمئنا إلى ما يصل إليه من نتائج.
عيوب كل من الاستقراء والاستنباط
عيوب الاستقراء:
1. يرى كثير من الفلاسفة والعلماء أن من عيوب المنهج الاستقرائي إمكانية تعميم نتائجه المبنية على استقراء ناقص حيث لا يوجد سبب للتعميم من عنصر واحد أو بعض العناصر إلى كافة الجنس، في حين أننا لم نفحص كل عناصره؛ كما أنه لا يوجد ما يؤكد أنه في المستقبل ستظل العوامل الثابت كما هي، وبالتالي لا يوجد ما يضمن استمرارية القانون الذي خلصت إليه التجربة، وعموما كلما كان مجتمع الدراسة (العينة) أكبر، كلما كانت نتائج البحث أكثر مصداقية وموثوقية. كما أنه من الممكن دفع هذا الاعتراض من خلال الاستقراء التام، حيث يهدف الاستقراء التام إلى دراسة كافة عناصر الجنس، وبالتالي تعميم نتائج الدراسة، أي أنه يدرس كل عناصر الجنس الواحد عنصرًا تلو الآخر حتى يصل إلى القانون الكلي المنطبق على كل أفراد الجنس.
عيوب الاستنباط:
1. يعتبر المنهج الاستنباطي من مناهج الفلسفيّة المثاليّة التي تبحث عما يجب أن تكون عليه الحقيقة، وبالتالي فإن من الممكن أن تكون منفصلة عن الواقع ومفارقة له
2. المقدمات العامة الأولية التي تنبني عليها لا تكون دائما صحيحة.
3. بينما أهم العيوب في المنهج الاستنباطي تتمثل في إمكانية تأثره بشكل كبير بآراء الباحث وتحيزاته وأهوائه، وهذه نقطة أساسية في الفرق بين الاستنباط والاستقراء.
الفرق بين الاستدلال الاستقرائي والاستنباطي
مما سبق يمكننا القول أن الفرق بين المنهجيتين يدور حول عدّة نقاط مهمّة:
1. أسلوب التدليل: يعتمد الاستنباط في استدلاله على الطريقة القياسيّة المتمثّلة بقاعدة من الكل إلى الجزء، أما الاستقراء فيتجه بمسارٍ عكسيّ من الجزء إلى الكل.
2. أداة التدليل: في الوقت الذي يكون فيه الاستنباط محتكماً إلى العقل فقط دون الخوض في غمار التجربة لصوغِ المقدمات ونتائجها، يلجأ الاستقراء إلى الحس والتجربة في مقدماته؛ لذلك يعدّ الاستقراء أداةً تتمتع بموضوعيّة عالية مقارنةً بالاستنباط في إثبات المعارف العلميّة
3. النهايات: تكون نتيجة الاستنباط صادقة تمامَ الصدق، وليس فيها شيءٌ جديد إذ أنّ النتيجة كانت مُشتملة أصلاً في المقدمة الكُبرى. أمّا الاستقراء فنتيجتهُ دائماً احتماليّة ولن تصل إلى خالص اليقين، ولكنّها تحوي جديداً عمّا هو مثبتٌ في النهايات
4. حجم المعلومات: حيث يستند الاستقراء إلى معلومات ناقصة ورسم استنتاج قد يكون حقيقيّ لها، في حين يستند الاستنباط إلى معلومات كافيّة للوصول إلى حقائق
المحاضرة العاشرة: خطوات البحث العلمي
أولا: اختيار الموضوع وتحديد مشكلة البحث
يقول المثل الألماني: "إذا كانت النهاية صحيحة فهذا يعني أن كل شيء قد جرى على ما يرام"، بيد أنه من الواضح بالنسبة للعمل العلمي أن أية نهاية جيدة لا يمكن إلا أن تكون كحصيلة لبداية جيدة بحيث يصح القول "إذا كانت البداية صحيحة فهذا يعني أن كل شيء سوف يجري على ما يرام إن الخطوط الأولى في البحث العلمي هي أهم الخطوات على الإطلاق، ذلك أن أي خطأ صغير في البداية يأخذ شكل ا زاوية تتسع، ويتباعد ضلعاها كلما سار البحث أشواطا أبعد. يقول المثل الشعبي: "إن الخياط الماهر هو من يعيد القياس سبع مرات قبل أن يبدأ القص". ان عملية انجاز بحث علمي تشبه عملية البناء تحتاج الى تصور واضح و الى مواد أولية (مراجع) و الى أدوات تقنية (منهجية علمية) و رؤية فنية (شخصية الباحث),
فالبحث هو بناء مركب مترابط و متسلسل تؤثر مكوناته ايجابا و سلبا بعضها في بعض. و البحث الجيد هو الذي ينطلق منذ البداية بشكل جيد باختيار الموضوع الأفضل و العنوان الأنسب، و يصل في الأخير إلى نهاية جيدة تجيب على الاشكالات الحقيقية للموضوع، و بين هذا و ذاك فالبحث العلمي الجيد هو الذي يطرح الاشكالية الجيدة.
1- اختيار الموضوع
إن أول ما يواجهه الباحث عند عزمه لإخراج دراسة أو بحث هي مسألة اختيار الموضوع، و مسألة اختيار الموضوع الجيد رهينة بمدى قدرة الباحث على الاطلاع الشامل بمجال البحث، وهذا ما يثير التساؤل حول المراجع الأولى بالاطلاع و الأفيد في القراءة، لأن القراءة الأولية على درجة كبيرة من الأهمية من حيث تحديد مسار البحث ككل، و من حيث تحديد عدد و نوع الأسئلة المكونة للإشكالية. و على ذلك فمن الناحية التقنية فمن الأفضل عند القراءة الأولية البدء بالمراجع العامة، و التركيز من ناحية ثانية على المراجع الأكثر حداثة.
1- البدء بالمراجع العامة
و هذا يعني أن فائدة الاطلاع على المراجع العامة تتيح للباحث تكوين رؤية شمولية حول الموضوع بما يسمح له بتحديد إِشكالية البحث بشكل جيد. فمثلا لا يمكن فهم العلاقات التركية الافريقية، بمعزل عن فهم نظرية صراع الحضارات، و بمعزل عن فهم السياسة الخارجية التركية، و العلاقات التركية الأوربية، و تاريخ العلاقات الدولة العثمانية مع شمال افريقيا، فالباحث في هذا الموضوع عند صياغته للإشكالية يجب أن يضعها على ضوء هذه المحددات.
بعد الاطلاع على المراجع العامة و الاستفادة منها في تحديد الإِشكالية الأساسية في البحث من جهة، و من جهة ثانية تكوين نظرة عامة حول تحديد خارطة طريق البحث من فرضيات و تقسيم و المنهج التحليلي المستعمل، عندئذ يمكن للباحث أن يلجأ للمراجع المتخصصة في الموضوع كالمقالات العلمية و الرسائل و الأطروحات الجامعية… فهذه المراجع المتخصصة تتضمن عادة معلومات دقيقة و جزئية، و تفريعات قد يتيه معها الباحث لهذا ينصح بقراءتها بعد المراجع العامة، لأنها تتعلق بموضوع متخصص و دقيق بذاته مثل: أثر استخدام المساعدات التركية في علاقتها بإفريقيا.
بهذا الترتيب لأولويات القراءة في المرحلة الأولية للبحث، يضمن الباحث استخلاص العناصر الأساسية في تحديد الاشكال المركزي لبحثه من المراجع العامة، و إثرائه في الأسئلة الفرعية بالمعلومات و الأفكار التي لها علاقة بموضوع البحث من المراجع المتخصصة. لكن المراجع المعتمدة في القراءة الأولية ثم في القراءة التفصيلية يشترط فيها أن تكون من المراجع الأكثر حداثة.
. استعمال المراجع الأكثر حداثة
الاطلاع الأولي على مراجع البحث لا يقف فحسب عند مسألة تصنيفها من حيث القراءة الأولية بل يقتضي أيضا شرطا أخر لا يقل أهمية، و هو أن تكون هذه المراجع أكثر حداثة، لما توفره من معلومات جديدة والأكثر اكتمالا مما يضمن للباحث مواكبة زمن موضوع البحث، و هذه الملاحظة أساسية بالنسبة لتحديد إِشكالية البحث. فالاعتماد على مراجع قديمة قد يوقع الباحث في منزلق صياغة اشكال متهالك ولربما قد تكون أبحاث أخرى قد سبقته أو تناولت نفس الاشكال.
فالمراجع الأكثر حداثة هي على درجة كبيرة من الأهمية على صعيد تحديد إِشكالية البحث. فالمسائل النوعية التي يثيرها أي موضوع تختلف بحسب اختلاف وقت و زمن حدوثها. فالمسائل التي كانت مطروحة في الأوضاع السياسية بالجزائر قبل الحراك الشعبي في 2019، ليس هي نفسها بعد الحراك، و هذا يعني أن المراجع الأكثر حداثة بالنسبة لموضوع السياسة الخارجية الجزائرية هي المراجع القريبة من حيث الإصدار من سنة 2019 و الى السنة الحالية.
2- تحديد مشكلة البحث وصياغة الإشكالية
أ- مشكلة البحث العلمي: هي الخطوة الأولى والجوهرية في البحث العلمي هي ، والتي يسعى الباحث إلى دراستها، والتعرف على مدلولاتها وأبعادها بصورة دقيقة، كذلك تحديد الأحداث التي تظهر فيها المشكلة، سواء كانت تحديات أو صعوبات في المعلومات الموجودة، أو وجود تناقض واختلاف بينهما، ولابد من وجود تفسيرات علمية لهذه المشكلة.، مما ينتج عنها إضافة علمية جديدة في مجال موضوع البحث.
و"هي المدخل النظري الذي يقرر الباحث تبنيه لمعالجة مشكلة طرحها في سؤال الانطلاق فهي مجموعة من المفاهيم الغامضة تستوجب الشرح حتى يستقيم بناء البحث ويصبح كاملا".
أو هي مجموعة من الأسئلة تتطلب الدراسة، أو هي تساؤلات حول الواقع الذي تجري دراسته، ومعرفته في إطار يسمح بدراستة أمبريقي..
لعل استخدام مصطلح المشكلة هنا واطلاقه على الموضوعات العلمية الجديرة بالبحث والدراسة، يعكس أهميتها، وضرورة الوصول إلى حل بشأنها، فالمشكلة تتعلق بموقف معقد وصعب وغامض، ويخلق لدى الباحث هما وقلقا بحثيا، يسيطر على تفكيره ووجوده، ويجعله يندفع نحو العمل على حله، فالموضوعات البحثية الجديرة بالدراسة هي مشكلات علمية حقيقية يقود البحث فيها إلى الاجابة على التساؤلات الغامضة المرتبطة بها، والتي تظل تنتظر من يفك غموضها من الباحثين الجديرين بذلك، فالمشكلات البحثية الملحة هي التي تحفز الباحث وتدفعه للبحث والدراسة، وهي التي تقوده للاختراعات والاكتشافات تحت ضغط ما يعترضه من مشكلات وتساؤلات لا تتوقف .
المشكلة في البحث العلمي هي ذاتها الموضوع الذي يشعر به الباحث ويقوم بدراسته وتجنيد كافة اجراءات البحث للوصول إلى حيثياته وحلوله. إنها بيان أو تعبير واضح ومحدد حول مجال الاهتمام الذي اختاره الباحث، ويهدف لدراسته، وتحسينه أو تطويره، ويمكن أن تكون مشكلة البحث مزعجة موجودة على مستوى النظرية وفي أدبيات الدراسة أو في الممارسة والتطبيق العملي للنظريات. وتشير مشكلة البحث إلى الحاجة إلى القيام ببحث فيها ومعالجتها.
حيث أنه يمكن تحديد مضمون مشكلة البحث من الناحية العلمية بأنها سؤال عام يتم طرحه من جهة الباحث والذي يتعلق بالموضوع الذي يراود باله وذهنه، حيث يقوم بتفصيل السؤال إلى جزئيات، يقوم الباحث من خلالها بالإجابة عن السؤال العام للبحث، فمشكلة البحث تعبر عن أي شيء من المحتمل أن يثير التساؤل، أي كل ما يظهر أنه بحاجة ماسة للدراسة والبحث، حيث أن صياغة مشكلة البحث تعني تعريف المشكلة وتوضيحها بالضبط وتوضيح معالمها ووضعها في مجراها الفكري، حيث أن صياغة المشكلة تهدف الى طرح أسئلة حول مواقف أو أحداث الهدف منها ادراك الإجابات الصحيحة في إطار يسمح بعملية بحثه واستقصاؤه.
الغرض من مشكلة البحث
تنحصر أهمية مشكلة البحث في عدة نقاط، منها:
1. تعرف القارئ على أهمية الموضوع قيد الدراسة.
2. يتم توجيه القارئ إلى أهمية الدراسة وأسئلة البحث أو الفرضيات التي يجب اتباعها.
3. تضع أسئلة البحث في سياق معين يحدد معالم ما سيتم التحقيق فيه.
4. توفر إطارًا للإبلاغ عن النتائج. (تعريف مشكلة البحث وشروطها)
5. تشير إلى ما قد يكون ضروريًا لإجراء الدراسة.
ولابد أن يدرك الباحث أن التحديد الدقيق لمشكلته البحثية سوف يساعده كثيرا في تحديد بقية الخطوات العلمية، مثل تحديد أهداف الدراسة، وتبيان أهميتها العلمية، وصياغة فروضه وتساؤلاته بوضوح، وطبيعة المعلومات التي يتطلب جمعها، والمناهج والأدوات التي تمكنه من الحصول على تلك المعلومات، وغير ذلك مما يتطلبه البحث.
ب- صياغة الإشكالية:
الإشكالية هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن الخيط الرابط بين مسائل البحث و فرضياته الأساسية.
ومن ثمة فان المفاهيم والمصطلحات المستعملة فيها يجب أن تحدد بشكل يمكن من أن تحقق عملها، أي إلى الحد الذي يستطيع الباحث ترجمته إلى أفعال يمكن ملاحظتها في الواقع.
مراحل بناء الإشكالية: حسب نموذج " ريمون كيفي".
- سؤال الانطلاق: تحدد المجال الذي يدرسه الباحث.
- العمل الاستطلاعي: القراءات الاستكشافية (الملاحظة المباشرة، تحليل وثائق).
- بناء الإشكالية: بناء الأطر النظرية واختيار إطار جديد، تحديد أولي للمفاهيم.
- بناء نموذج تحليلي: نسق من الفرضيات والمفاهيم.
- الاختبار: المتغيرات الأساسية تختبر النموذج التحليلي في الواقع الملموس من خلال الفرضيات المبنية.
- تحليل المعطيات: وصف وعرض المعطيات في جداول في شكل علاقات مترابطة، والمقارنة بين النتائج.
- الحوصلة أو النتائج: ربط البحث بالفرضيات والإشكالية، وذكر معارف جديدة.
وتتميز الإشكالية بـ:
1- الوضوح في الدقة والاختصار في صياغتها وعدم غموضها.
2- الملائمة بحيث لا تعتمد على حكم قيمي بالموافقة أو المعارضة.
3- تخضع للمنهج التحليلي وبعيدة عن الفلسفة.
4- ليست مغلقة بحيث إجابتها تقتصر على نعم أو لا.
5- صياغة الاشكالية هي مسألة نوعية و ليست كمية.
اذن فصياغة الاشكالية هي مسألة نوعية و ليست كمية، وهي بهذا المعنى هي فن طرح الأسئلة الجيدة المتعلقة بموضوع البحث بصرف النظر عن عدد الأسئلة التي تصاغ بها. فالإشكالية الجيدة هي التي يتحقق فيها شرطان أولهما أن تكون مرتبطة من حيث مصطلحات الكلمات المكونة لها بموضوع البحث انطلاقا من العنوان، و ثانهما طرح السؤال الذي من شأنه أن يعمق البحث و يتيح امكانية التحليل بغاية الحصول على نتائج واضحة.
المقومات المنهجية لصياغة وتحديد الإشكالية:
إن مسألة تحديد الاشكالية تكون في المرحلة التأسيسية للبحث و أثناء القراءة الأولية لمراجع البحث وبعد تحديد موضوع البحث.
صياغة الاشكالية لها ارتباط وثيق بصياغة العنوان، فكلما كان العنوان واضحا كلما كانت الاشكالية واضحة.
صياغة الاشكالية هي عملية فكرية مرتبطة بقدرة الباحث على طرح الأسئلة الجيدة من جهة، ومدى مهارته في تركيز و تفكيك الأسئلة من جهة ثانية.
صياغة الاشكالية هي عملية مركبة تنطوي على سؤال مركزي و أسئلة أخرى فرعية.
وظيفة الاشكالية هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن الخيط الرابط بين مسائل البحث و فرضياته الأساسية.
- Enseignant: djilali bechlaghem