ماهية الصفقات العمومية في المنظومة التشريعية الجزائرية :

نتطرق في هذه الجزئية إلى نشأة وتطور قانون الصفقات العمومية ثم إلى تحديد مختلف التعريفات المتعلقة بالصفقة العمومية بداية بالتعريف الفقهي و القانوني أو التشريعي على حسب القوانين الصادرة بشأنها ثم التعريف القضائي .

تطور النظام القانوني للصفقات العمومية

لقد مر النظام القانوني للصفقات العمومية بمجموعة من المراحل شهد خلالها تطورات عديدة جاءت تماشيا مع النظام الاقتصادي المنتهج في كل مرحلة ، فخلال الفترة الإستعمارية كان النظام القانوني للصفقات العمومية تحكمه نصوص أساسية مطبقة على الصفقات العمومية الفرنسية، وتم تمديد العمل بالقاون الفرنسي في الجزائر حتى بعد الإستقلال وذلك بصدور القانون رقم 62/157 إلى غاية صدور قانون جزائري .

بداية تم إصدار المرسوم رقم 64/103 المؤرخ في26/03/1964 الذي قرر بموجبه انشاءاللجنة المركزية للصفقات العمومية التي عهد لها إختصاص إتخاذ الأحكام القانونية إجراءات التنفيذ الصفقات العمومية ، وإستوجبت المعطيات المستجدة ومقتضياة المصلحة العامة إصدار نصوص تنظيمية كان أولها الأمر رقم 67/90 وفي محاولة من المشرع لتلافي النقص الوارد وتماشيا مع التيار الإشتراكي لجأ إلى إصدار المرسوم رقم 82/145.

بعد ذلك ونتيجة للتطورات الاقتصادية الحاصلة المتمثلة في إنخفاض عائدات البترول وكذا انخفاض المستوى المعيشي وسوء الأوضاع الاجتماعية وفي محاولة للإستجابة لها وجد المشرع نفسه مضطرا إلى مسايرتها مما أدى إلى تبني تحولات جذرية مست النشاط الاقتصادي التي دفعت البلاد إلى الدخول في إقتصاد السوق.لهذا ظهرت الحاجة إلى وجود تعديل يتمىاشى و هذه الظروف، وهو ما تم فعلا بصدور المرسوم التنفيذي رقم 91/ 434هذا الأخير الذي عرف بدوره عدة تعديلات تمشيا مع الأوضاع السائدة آنذاك. أهمها تعديل 1996 الذي تزامن مع التعديل الدستوري.

بعد ذلك تم اصدار المرسوم الرئاسي رقم 02/250 في ظل النقائض التي خلفها المرسوم السابق جاء هذا المرسوم في وقت عرفت فيه السوق العالمية ارتفاعا لأسعار المحروقات وانتعاش لمداخل الجزائر و جاء استجابة لتوجهات الدولة نحو تحي الأنشطة الاقتصادية، كما شهد هذا المرسوم هو الآخر تعديلين ' الأول بموجب المرسوم الرئاسي رقم 03 / و301 والثاني بموجب المرسوم الرئاسي08/338 بغرض رفع عتبة إبرام الصفقات العمومية وتخفيف الضغط عن اللجنة الوطنية للصفقات وإدخال مبادئ المنافسة الحرة في الصفقات العمومية.

ونتيجة ضغوط الاتزامات الدول التي تواجهها الدولة الجزائرية في المجال الاقتصادي، خاصة وبعد المصادقة على اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي ، وكذلك سعيها الحثيث للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة (OMC)نإ بالإضافة إلى الملائمة المالية والمشاريع العملاقة والبرامج الرئاسية للإنعاش والنمو الاقتصادي، في ظل التحديات الراهنة من عدم إتمام إنجاز المشاريع في مواعيدها ومكافحة الفساد،

الأمر الذي دفع بالدولة إلى إصدار مرسوم رئاسي رقم 10/236 الذي أحدثه المشرع لتفادي النقص الحاصل والتناقض الموجود بالتشريعات السابقة من جهة ، ومحاولة منه لمواكبة التقدم العلمي السريع ومحاولة تحرير الإقتصاد من جهة أخرى ،كما تعرض هذا المرسوم كسابقيه إلى عدة تعديلات، أولها تعديل 2011 بموجب المرسوم ال رئاسي رقم 11/ 98 والثاني تعديل 2011 بموجب المرسوم الرئاسي رقم 11/222 والثالث تعديل.2012 بموجب المرسوم الرئاسي رقم 13/03 .

لكن مع إثبات عدم نجاعة وصعوبة التطبيق الميداني للنصوص السابقة الناجم عن وجود فراغات قانونية.إنجر عنها تأخر في إنجاز المشاريع وتعطيل عجلة التنمية من جهة، وانهيار أسعار البترول من جهة أخرى ، دفع بالمشرع إلى إصدار تشريع جديد يواكب هذه التحديات ويستجيب لمتطلبات الدولة الراهنة، هذا التشريع الذي يأخذ عنه أنه يمتاز بالدقة والتحيين المتكامل لأغلب النصوص السابقة من أجل تسيير أحسن للأموال العمومية وهو المرسوم الرئاسي رقم 15 /247 هذا الآخير الذي حمل في طياته العديد من أمور مستحدثة، التي تم إقتراحها بهدف تخفيف وتسهيل إجراءات إبرام الصفقات العمومية، وعليه فإن الغاية المرجوة من هذا الإصلاح هي السماح للمصالح المتعاقدة بتلبية حاجياتها في جو من الشفافية والمصداقية والحرية والتعاقدية والمساواة بين المتعاقدين من جهة وكذا العمل على ترشيد استعمال المال العام وحمايته من شتى مظاهر وأشكال الفساد.

كانت هذه جملة محطات التي مرة بها النظام القانوني للصفقات العمومية بداية من أول نص تشريعي وصولا إلى آخر تشريع ،فياترى كيف تم تعريف الصفقة العمومية في ظل هذه القوانين المتعاقبة؟ وما موقف القضاء والفقه الجزائري من ذلك؟

التعريفات المختلفة المتعلقة بالصفقة العمومية

يعتبر تنظيم الصفقات العمومية من أكثر التنظيمات ارتباطا بالواقع السياسي والإقتصادي للبلاد ، والدليل على ذلك هو انه عرف الكثير من التطورات حسب التغيرات التي كانت تعرفها البلاد ، وبهدف تسليط الضوء على تعريف الصفقة العمومية يقتضي منا الأمر إعطاء تعريف تشريعي لها ، ثم نتطرق إلى التعريف الذي أورده القضاء والفقه .

أ-التعريف الفقهي للصفقة العمومية :

لقد وردت بعض التعريفات الفقهية للصفقات العمومية من بينها ما تبناه الفقيه الفرنسي أندري ديلوريادر فعرفها على أنها : " عقود بمقتضاها يلتزم المتعاقد القيام بأعمال لفائدة الإدارة العمومية مقابل ثمن محدد." وورد في تعريف آخر أن الصفقة العمومية عقد مكتوب بين طرفين أو أكثر يلتزم فيه الأطراف بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه .

عرف الفقه كذلك العقد الإداري على أنه : "العقد الذي يبرمه شخص من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره وتظهر فيه نيته في الأخذ بأسلوب القانون العام، وذلك بتضمين العقد شرطا أو شروط غير مألوفة في عقود القانون الخاص."

ب-التعريف التشريعي للصفقة العمومية في القانون الجزائري :

لقد عرف المشرع الجزائري الصفقة العمومية عبر القوانين المتعاقبة المنظمة للصفقات العمومية ، وبالتالي وجب أن نستعرض هذه التعريفات مراعين في ذلك الترتيب الزمني لصدور هذه القوانين .

ب1 -.في إطار الأمر رقم 67/90 :

عرفت المادة الأولى من هدا الأمر الصفقات العمومية بأنها "عقود مكتوبة تبرمها الدولة أو العمالات أو البلديات أو المؤسسات أو المكاتب العمومية ، قصد انجاز أشغال أو توريدات أو خدمات ضمن الشروط المنصوص عليها هذا القانون " وما يلاحظ على هذا التعريف أنه مستوحى بصفة كبيرة من التشريع الفرنسي مع بعض الخصوصيات نتيجة الهيكلة القانونية للاشتراكية على المستوى الاقتصادي .

ب2- في إطار المرسوم رقم 82/145 :

عرف هذا المرسوم الصفقات العمومية بأنها " صفقات المتعامل العمومي وهي عقود مكتوبة حسب مفهوم التشريع الساري على العقود والمبرمة وفق الشروط الواردة في هذا المرسوم قصد انجاز الأشغال واقتناء المواد والخدمات .

ب3- في إطار المرسوم التنفيذي رقم 91/434:

إن التعريف الذي جاء به هذا المرسوم لم يبتعد عن سابقيه كثيرا حيث عرف الصفقات العمومية بأنها : "عقود مكتوبة حسب التشريع االساري على العقود المبرمة وفق الشروط الواردة في هذا المرسوم قصد انجاز الأشغال واقتناء المواد والخدمات لحساب المصلحة والمتعاقدة "

ب4-في اطار المرسوم الرئاسي رقم 02/250 :

تم تعريف الصفقة العمومية في ظل هذا المرسوم المعدل والمتمم بموجب المرسوم الرئاسي رقم 03 /301, ثم بموجب المرسوم الرئاسي رقم 08/ 338 ' على أنها :"عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به تبرم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم قصد انجاز الأشغال واقتناء المواد والخدمات والدراسات لحساب المصلحة المتعاقدة ".

ب5- في إطار المرسوم الرئاسي رقم 10/236 :

من خلال هذا المرسوم نلاحظ بأن المشرع الجزائري قد أبقى على نفس تعريف الصفقة العمومية الوارد في المرسوم رقم 02/250, وإنما اكتفى فقط باستبدال مصطلح المواد بمصطلح اللوازم كونه اشمل وأعم رغم التعديلات التي طرأت عليه مثلما سبق واشرنا .

فمن خلال تحليلنا للتعريفات السالفة يتضح بأنها في مجملها تنصب في معنى واحد ، وإنما التغيير فقط يمكن في اختلاف التعابيير والصيغ اللفظية لاغير ، فيا ترى كيف عرفها المرسوم الرئاسي رقم 15/247 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويض المرافق العامة ..

-التعريف القضائي للصفقة العمومية :

رغم أن المشرع الجزائري قد حرص على تعريف الصفقات العمومية في مختلف قوانين الصفقات العمومية المتلاحقة، فإن القضاء الإداري هو بصدد الفصل في منازعات الصفقات العمومية قد يورد تعريفا لها بالرغم من أنه غير ملزم بالتقيد بالتعريف التشريعي لأنه قد يحصل في بعض الأحيان وتفرض الظروف إعطاء.تفسير وتحليل لهذا التعريف، وفي هذا الطرح نجد أن مجلس الدولة الجزائري قد حاول تقديم تعريف قضائي للصفقة العمومية ، وذلك في قرار له غير منشور مؤرخ في17 ديسمبر 2002 حول قضية رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية ليوة بولاية ببسكرة تحت رقم 6215 فهرس 873 الذي نص على أنها : " ..وحيث أنه تعرف الصفقة العمومية بأنها عقد يربط الدولة بالخواص حول مقاولة أو إنجاز مشروع أو إنجاز خدمات. "

يبدو من خلال هذا الجزء من التعريف بأن مجلس الدولة قد حصر مفهوم الصفقة العمومية على أنها رباط عقدي يجمع الدولة بأحد الخواص، في حين أن العقد الإداري أو الصفقة العمومية يمكن أن تجمع طرف آخر غير الدولة ممثلا في الولاية أو البلدية أو المؤسسة الإدارية، وكذلك نجد بأن هذا التعريف يخلو من أي إشارة للشكل الذي يجب أن تصب فيه الصفقة العمومية وكذلك ما يؤخذ على هذا التعريف أنه ا ستعمل أحد مصطلحات القانون المدني -مقاولة -في حين أنه كان من المفروض تفادي ذلك.

المحاضرة الحادي عشر